ذكريات الحرب الأهلية تعطل رغبة لبنان في مساعدة اللاجئين السوريين

نيكولاس بلانفورد
 (كرستيان سينس مونيتور) 15/1/2013

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
ما تزال الإشارة إلى "مصنع البصل"، وهو مزرعة مهجورة استخدمها عملاء الاستخبارات السورية كمركز استجواب وسجن للمعتقلين اللبنانيين، تستدعي مشاعر القلق لدى سكان بلدة مجدل عنجر السنية التي تقع في شرق لبنان.
واليوم، بعد ثمانية أعوام من سحب الرئيس السوري بشار الأسد لجيشه من لبنان، أصبح "مصنع البصل" موطناً لجيل جديد من ضحايا نظام الأسد -عائلة ممتدة تتألف من حوالي 60 لاجئاً سورياً هربوا من الصراع الدموي الذي يلف بلدهم للعثور على ملاذٍ في أكواخ متنقلة حول هذا السجن السابق القبيح.
يقول ياسر حداقي الذي وصل إلى مجدل عنجر مع عائلته قبل نحو ستة أسابيع بعد أن هربوا من الرقة، البلدة التي تقع في شمالي سورية: "إن وضعنا هنا بائس. لا يوجد لدينا طعام ولا وقود للتدفئة. لا يوجد أي شيء".
والسيد حداقي وعائلته الممتدة هم في عداد ما يقدر بنحو 200.000 لاجئ سوري كانوا قد هربوا من منازلهم بحثاً عن مأوى في لبنان كلاجئين، محركين بذلك مخاوف طائفية في بلد مقسم على نحو معمق حول الحرب التي تستعر في سورية، وواضعين عبئاً ضخماً على الحكومة اللبنانية خالية الوفاض من السيولة.
ويرفض لبنان حتى الآن بناء مخيمات مثل تلك التي بنيت في الأردن وتركيا. فلفكرة مخيمات اللاجئين معنى سياسي وطائفي هنا بسبب الكم الكبير من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في نحو عشرة من المخيمات الشبيهة بمدن الأكواخ، والمنتشرة في عموم البلد منذ العام 1948. ويستحضر العديد من اللبنانيين حقيقة أن تواجد الفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان كان عاملاً أسهم في اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت بين العامين 1975 و1990.
وبالإضافة إلى ذلك، ما تزال هناك المقاومة المستمرة منذ عقود، خصوصا بين المسيحيين بشكل خاص، ضد السماح للاجئين الفلسطينيين السنة بالاندماج في المجتمع اللبناني، لأن من شأن ذلك أن يقلب الميزان الطائفي الحساس في البلد، وهو ما يفسر السبب في أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون أسوأ الظروف ولا يحصلون إلا على أقل الحقوق المدنية مقارنة مع نظرائهم في الدول العربية الأخرى.
"قواعد عسكرية" سنية
في ظل غياب المخيمات في لبنان، يقيم معظم اللاجئين السوريين مع أقارب أو أصدقاء لهم، أو يستأجرون شققاً سكنية في حال توفر لهم المال، أو يُسكنون أنفسهم في المباني المهجورة أو يعيشون في خيام وأكواخ. وعلى العكس من تركيا والأردن -البلدين الآخرين اللذين يحدان سورية، واللذين استوعبا لاجئين- يشكل لبنان دولة صغيرة لا يتجاوز سكانها أربعة ملايين نسمة، وتفتقر إلى الموارد التي تمكنها من استضافة هذا العدد الضخم من اللاجئين. وكان لبنان قد ناشد جامعة الدول العربية تقديم مساعدات له بقيمة 180 مليون دولار لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين، وفق خطة وضعتها الحكومة اللبنانية مؤخراً. وقد وافقت جامعة الدول العربية على إرسال فريق لتقصي الحقائق وتقويم وضع اللاجئين في لبنان.
وقال وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، وائل أبو فاعور، أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب (الذي انعقد في القاهرة): "لقد أصبح الوضع مدعاة للقلق والتوتر الكبيرين، خصوصا وأن خطة الحكومة صممت على أساس تواجد 20000 لاجئ، بينما أعتقد بأن العدد تجاوز 200.000". وأضاف أن مبلغ الـ180 مليون دولار سيستخدم لتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية للاجئين، بما في ذلك تسجيل 30.000 طفل سوري في المدارس العامة.
وكان جبران باسيل، وزير الطاقة وعضو التيار الوطني المسيحي الحر، منتقداً لاذعاً لفكرة تأسيس مخيمات لاجئين للسوريين، محذراً من أنها قد تتحول إلى "قواعد عسكرية" للمعارضة السورية المسلحة. وقال السيد باسيل في رسالة له على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، خلال مناقشة الحكومة للموضوع مؤخراً: "يجب خفض عدد اللاجئين إلى الحد الأدنى من خلال إعادتهم إلى المناطق السورية الآمنة، أو تسفيرهم إلى بلدان أخرى".
لكن آراءه تنطوي على وزن محدود في لبنان فيما يبدو، حيث لقي مأزق اللاجئين السوريين تعاطفاً واسعاً، رغم حالة الاستقطاب القائمة بين مؤيدي نظام الأسد ومعارضيه.
وحتى الشيخ حسن نصر الله، زعيم المليشيا الشيعية، حزب الله، المتحالف مع النظام السوري، دعا إلى الإبقاء على الحدود مع سورية مفتوحة أمام اللاجئين. وقال في كلمة له يوم 4 كانون الثاني (يناير) الحالي: "إننا نحث على التعامل مع اللاجئين من زاوية إنسانية. يجب عدم تسييس قضيتهم بأي طريقة من الطرق". وأضاف: "لذلك، يجب دعم العائلات التي تسعى للحصول على ملاذ في لبنان وتعول على حكومته وشعبه، سواء كانت مؤيدة للنظام السوري أو معارضة له".
"ليس مثل الفلسطينيين"
لقد نال الادعاء بأن مخيمات اللاجئين يمكن أن تؤوي متشددين معادين للأسد القليل من التفهم من جانب السوريين الذين يعيشون إلى جوار مزرعة البصل. ويقول صلاح الحمد: "إننا لم نترك أرضنا وبلدنا من أجل تشكيل مجموعات مسلحة، وإنما لنعيش ونأكل". وأضاف: "إذا حققنا السلام في بلدنا، فإننا سوف نغادر في الحال. إن وضعنا ليس مثل وضع الفلسطينيين".
وقال لي السيد أحمد واللاجئون الآخرون، إنه لم يكن لديهم خيار سوى مغادرة الرقة بسبب القتال العنيف الدائر في المنطقة بين قوات الحكومة السورية وقوات الثوار. وقال أحمد: "لقد دمر منزلي في غارة جوية وقتل ابن أختي، ياسر".
وبمساعدة اللبنانيين المحليين، بنى اللاجئون أكواخاً بسيطة مصنوعة من هياكل الخشب ومغطاة بألواح بلاستيكية مربوطة إلى الأسفل بحبال. وبالكاد توفر الأكواخ ملجأ لساكنيها في فصل الشتاء، وخصوصا في الأسبوع الذي تعرض فيه لبنان لعاصفة ثلجية هي الأقسى من نوعها في أكثر من عقد من الزمن هذا الشهر. وقد غطت الثلوج سهل وادي البقاع، وهبت رياح جليدية قارسة من قمم الجبال الثلجية الواقعة إلى الشرق.
وقد هز السوريون رؤوسهم عندما سئلوا عما إذا كانوا يعرفون تاريخ مزرعة البصل، حيث كان اللبنانيون يتعرضون في السابق للسجن والاستجواب على أيدي جهاز مخابرات نظام الأسد. وتقول السيدة هنادي، المرأة اللبنانية التي تعيش في منزل صغير بالقرب من المزرعة: "أنا أعرف ما الذي كان يحدث هنا بالضبط... لقد عذب السوريون وقتلوا أناساً في ذلك المكان".
السوريون بدوا متعاطفين
وقال جاسم الحسن، وسط موافقة الآخرين الذين هزوا رؤوسهم: "نأمل أن تتم الإطاحة بالأسد غداً". ولعل مما ينطوي على المفارقة أن هناك صورة شخصية وكتابة غرافيتية مؤيدة لنظام الأسد ما تزال موجودة على أسوار مزرعة البصل -واحدة يفترض أن يكون قد رسمها جندي من قرية في شمالي سورية، كان قد كلف بالخدمة في مزرعة البصل قبل عقد. وتقول الكتابة تحت الصورة: "فيصل أحمد أبو أحمد من (قرية) كفرة (القريبة من بلدة عزاز) بتاريخ 11/3/2000". وتقول كتابة أخرى "يعيش الرئيس الأسد".

اضافة اعلان


*نشر هذا التقرير تحت عنوان:Memories of its own civil war dampen Lebanon's desire to help Syrian refugees.

[email protected]