عن الديمقراطية والدولة والوعي

مالك العثامنة

في المشهد السياسي الأردني الداخلي، هناك حالة مد و جزر، مد شعبوي يأخذ مداه في الشعارات والمطالبات والصراخ، وجزر رسمي يتجاوز في انسحاباته أحيانا العمق المناسب للوقوف دون نقطة توازن وبلا سقوط مغرق.

اضافة اعلان


في حالات المد الشعبوي، كانت الشعارات صدى أمنيات لا أكثر، وليست مطالب سياسية حقيقية، ومن ذلك المطالبة بحكومات منتخبة! وفي حالات الجزر الرسمي كانت محاولات إعادات الإنتاج العقيمة بوجوه مستجدة عنوان “التجديد” الرسمي غالبا.


وغالبا ما كان الشعار “الشعبوي” مقترنا بمثال تاريخي يعتقد منادوه أنه النموذج الأمثل الذي عشناه في الأردن مما يعطيه شهادة الخبرة والجودة! فكان النداء الذي قرأته كثيرا في وسائل التواصل والبيانات الحماسية وسمعته من حراكيين متعددين “خصوصا من فئة الشباب” باستعادة تجربة حكومة الرئيس سليمان النابلسي.


أعتبر نفسي من المطالبين بالإصلاح السياسي “من بوابة استعادة كامل أهلية الدولة المؤسساتية أولا” ومن المطالبين بحزمة إصلاحات متوازية في الإدارة العامة والاقتصاد والإصلاح الأكثر أهمية وضرورة في قطاع التعليم، وأحلم مثل غيري بحكومة منتخبة عبر أحزاب تضع برامجها أولا قبل أن تبحث عن أسماء وأعداد تفي بمتطلبات الترخيص أو تكون منصة “نفوذ ووجاهة” لشخصيات لديها عقدة نقص مركبة.


وفي نموذج حكومة الراحل سليمان النابلسي أتوقف كثيرا بقراءة تاريخية تجعلني أضع التجربة كلها في متحف التاريخ لا أكثر، فهل حكومة سليمان النابلسي، رحمه الله، هي النموذج السليم الذي أبحث عنه لدولة أردنية تدخل مئويتها الثانية؟
استنادا إلى قراءات موضوعية في سياق تاريخي تشريحي للمرحلة التاريخية فلا أرى أي حالة نموذجية صالحة لحكومة النابلسي كمعيار يمكن الأخذ به.


مما يجعلني أفكر إذن وأتساءل عن النموذج الذي أطمح إليه في دولة استطاعت رغم كل “المؤامرات التقدمية المنقرضة” أن تستمر حتى اليوم.


الجواب ليس صعبا لو فكرنا بعقل بارد بعيدا عن التشنجات والحساسيات “المتراكمة” فكل ما يلزمنا بعد إعادة تأهيل الوعي الجمعي “بالتعليم أولا” هو دولة مؤسسات وقانون مع دستور يجب إعادة ضبطه على مفهوم الدولة لجميع مواطنيها بلا تمييز بالمطلق، والأمة دوما هي مصدر السلطات، وتنظيم حقوق الملك وواجباته على أساس أنه رأس الدولة لا رئيسها.


بالنسبة للأحزاب، بعد ضبط مفهوم الدولة واستعادتها بكامل ألقها المؤسساتي ( وهذا يتطلب وقتا وجهدا وكثيرا من الوعي السياسي والتعليمي)، فهي مرحلة لاحقة ويجب أن تكون قائمة على برامج كاملة ومتكاملة تعطيها أهلية الحكم واستلام السلطة عبر الحكومة لتنفيذ برامجها الموعودة والتي حملت ممثليها الحزبيين إلى البرلمان.


ماذا لو قرر حزب “برامجي” حقيقي أن يقدم للناخبين رؤيته متجاوزا إنشائيات رفض معاهدة الغاز الإسرائيلي والشعارات الاجترارية البائسة، ليضع “فريقه الاقتصادي المحترف” برنامجا واقعيا بديلا ومنطقيا قابلا للتطبيق يجلب الغاز للأردن من مصادر أخرى، أو يحل أزمة الطاقة بحلول معقولة “لا وهمية”، أو يضع استراتيجية مائية تضمن وقف التصحر والعطش في الدولة، ويقدم رؤية تعليمية علمية لا دجل وشعوذات فيها تنهض بواقع التعليم البائس وتؤهل المعلم وتعيده إلى الصف بدلا من الشوارع والجوامع أو صفوف العمل السياسي في النقابات، وكذلك قادر بخبرات كوادره المؤهلة ان يضع رؤية لهيكلة القطاع العام تكون موارده البشرية عنوانه الأساسي في التأهيل الفني وتحسين معيشته كما إنتاجيته؟؟


شخصيا، سأصوت لحزب كهذا إن وجد. لكن قبل أن ندخل بعبث الجدل في معاركنا الحزبية القادمة دعونا نستعيد الدولة ومؤسساتها الدستورية أولا.

 

المقال السابق للكاتب 

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا