لا تنافس بين الدين والعلم

يعتقد كثير من الناس، وبخاصة المسلمين اليوم، وكما كانت عليه الكنيسة في العصور الوسطى في الأمس، أنه يوجد صراع دائم بين الدين والعلم، وأن المعركة مستمرة بينهما إلى أن ينتصر أحدها على الآخر، وهم يعنون به انتصار الدين على العلم.اضافة اعلان
والسبب واضح وهو أنه لما كان لا يمكن وجود إمكانية -حسب هؤلاء- للتوفيق بين النص الديني الثابت، والمعرفة العلمية المتّحركة والمتغيرة كما في علوم الفيزياء، والكيمياء، والبيولوجيا، والجيولوجيا، والفلك، والرياضيات، فإن الاتفاق أو السلام بين الدين والعلم غير ممكن أبداً.
ولكن المعركة خاسرة للطرفين، لأنه ليس بقدرة أحدهما الانتصار على الآخر أو إلغاؤه، لحاجة المجتمع إليه، وكذلك استحالة أن يحل أحدهما محل الآخر إلا في بلاد المسلمين حيث الخصام على أشده فيها وليس للعلم عندهم حاجة. وإلا فلا حاجة إلى الخصام بين الدين والعلم، أو بين رجال الدين والعلماء إذا كان الناس متحضرين، لأن الفريسة (الحقيقة) عند كل منهما مختلفة.
يصرّ المسلمون اليوم على إخضاع العلم للدين، ويسير على هذا النهج كثيرون من النخبة العلمية المفترضة، ووزارة التربية والتعليم في كتب العلوم المدرسية الدينية.
وللحريصين والخائفين على مصير الدين، نقول: لا توجد قوة على الأرض تستطيع تصفية الدين المتوارث عبر مئات السنين والمتجذر في أعمق أعاميق النفس البشرية، والتي تستمد وجودها وهويتها منه، بينما يمكن إلحاق الهزيمة في العلم بمحاربته في المدرسة والجامعة والإعلام كما في بلاد المسلمين، وبالتضييق عليه أو بتزييفه بالتضليل العلمي والمعلوماتي (Pseudoscience / Misinformation) كما يفعل منكرو تغير المناخ وأعداء التطعيم... من العلماء الموالين أو العملاء للحزب الجمهوري السلفي المعادي للعلم.
نقول للحريصين والخائفين: إن الفرق أو الاختلاف بين الدين والعلم بديهي، ناتج عن الاختلاف بين أهداف أو وظيفة وأسلوب كل منهما، فالأسئلة التي يجيب عنها الدين غير الأسئلة التي يجيب عنها العلم.
عندما سئل أحد رجال الدين المسيحي في بداية النهضة الأوروبية عن هذا السؤال/ الموضوع، قال: نحن في الدين نعلّم الناس كيف يصعدون إلى السماء، أما أنتم -معشر العلماء- فتعلمونهم عن السماء.
والدين اعتقاد أو معتقدات لا تخضع للبرهان أو التجريب، لكنه يحاول الإجابة عن أسئلة الوجود، وعن الله، وعن علاقة الإنسان به. كما أنه يضفي القيمة أو المعنى على حياة الإنسان... وهي أسئلة تقع خارج نطاق العلم (والفلسفة). توجد -طبعاً- أجوبة مختلفة عن هذه الأسئلة عند الأديان المختلفة، ولذلك يقال: "كل واحد على دينه الله يعينه".
أما العلم فمعارف ومعلومات تخضع للبرهان أو التجريب. ويجيب عن أسئلة أخرى تتعلق بالظواهر الطبيعية أو المادة (ماذا)؛ أي أنه يصف لنا العالم الذي نعيش فيه، وكيف أصبحت الأشياء على ما هي عليه. إنه يبين لنا بنية كل شيء وسلوكه، وكيف نستفيد منه ونستخدمه، فنحن نطبق نتائج العلم (قوانينه) لإنتاج أنواع مختلفة من السلع والخدمات بدءاً من حفاظات الأطفال والمسنين وانتهاء بالقنبلة الهيدروجينية والسفر إلى الفضاء، ولكنه لا يستطيع أن يفسّر لنا لماذا وإلى أين، كما لا يستطيع منعنا من سوء استخدامه، فقد نستخدمه للتعمير أو للتدمير.
ولما كان الأمر كذلك، فإنه لا حاجة لتخيير الناس بين الدين والعلم (التكنولوجيا) أو بين الصلاة والبحث، أو بين الروح والجسد، كما يقول الفيلسوف الأميركي أدلر (1902-2001)؛ أي أنه لا توجد منافسة بين الدين والعلم على الحقيقة عند من يعقلون فلكل منهما حقيقته، وعندما تقع (المنافسة) فإنها تكون دلالة على تخلف المجتمع، لأن أهل الدين يدّعون أن دينهم علمي، أو لأن أهل العلم يدّعون أن علمهم ديني.
وعليه فإذا أقحم الدين على العلم فإنه يعطِّله، وإذا أقحم العلم على الدين فإنه يُبطله، لأنه تظهر عندئذ إشكالات ناجمة عن الفرق بين نظرية الخلق أو الوجود (الدينية) ونظرية التطور البيولوجية (العلمية) وبين المعجزة الإلهية والقانون العلمي...