لم تطوَ وليست طارئة!

قبل عقد، قال أمين عمان يومها نضال الحديد، إن الاختناقات المرورية ستصبح في "ذمة التاريخ" خلال سنوات مقبلة. وفي موازاة ذلك، استكان مسؤولون آخرون لمقولة "ليس لدينا عصا سحرية"  لحل أزمة الاختناقات هذه. فيما تحاول جهات عديدة، منذ عقود، التكيف الآني مع هذا الملف المعقد، من خلال حلول ترقيعية لا تؤثر كثيرا في مسار الأزمة، بل وتكون أحيانا أسبابا لأزمات جديدة.اضافة اعلان
في البيانات الصادمة، وفقا لدراسة ميدانية أجرتها مؤسسة "إبسوس ستات"، فإن نصف الأسر الأردنية التي تمتلك سيارات، تمتلك بالفعل أكثر من سيارة واحدة. كما أن أسرة من بين خمس أسر تمتلك على الأقل سيارة واحدة ذات موديل 2008، ما يعني شهية مفتوحة لدى الأردنيين لشراء السيارات، لا لترف اقتصادي، وإنما -من وجهة نظري- بسبب شلل أو تعثر شبكة المواصلات والنقل العام في البلاد.
على الجانب الآخر من الأزمة، ثمة مؤسسات تنظر إلى الأمر باعتباره طارئا، ومتصلا بهذه الفترة من الصيف، كما ذهب إلى ذلك أمس مسؤول في أمانة عمان الكبرى، مع توقعه أن تستمر الأزمة حتى أواخر آب (أغسطس) المقبل. ويستند المسؤول إلى أن ما بعد عطلة العيد وإجازات الطلبة وعودة المغتربين، شكلت عبئا إضافيا على الطرقات، في حين أن الواقع يشير إلى أن الاختناقات المرورية حقيقة في العاصمة، وحتى في المدن الكبرى الأخرى، طيلة أيام السنة. وهي أيضا في معظم ساعات النهار والليل، فلا ترتبط بسويعات بعينها.
صحيح أن أزمة السير عالمية، تطال كل المدن في العالم، لكن الحديث عن أنها أزمة طارئة، لا ينطوي على فهم عميق للواقع الذي يعايشه الأردنيون على الطرقات. وبتقديري، فإن الفترة التي كان يتطلبها التنقل بالسيارة قبل بضع سنوات من مكان لآخر داخل العاصمة، قد تضاعفت في السنوات الأخيرة، وربما بأكثر من مرة.
وضمن مستويات ودراسات عالمية، فان مسؤولي المرور وهندسة الطرق في المدن الأوروبية وسواها، يتنافسون من أجل تقليص الفرق بين الوقت اللازم للرحلة بالسيارة ما بين فترات الهدوء والذروة. ففي باريس وستوكهولم وروما، يزيد الوقت اللازم لحركة السيارة من مكان لآخر خلال وقت الذروة بنسبة 36 % مقارنة بوقت الهدوء. ودع عنك المزاج السيئ الذي تعكسه الاختناقات المرورية في نفوس السائقين، وهو ما أصبح حديث الناس في السر والعلن، علاوة على الخسائر الاقتصادية الناجمة عن ذلك.
إن مؤسسات الدولة تحتاج إلى الاعتراف بالأزمة، بعيدا عن التصريحات والتلاعب بالكلمات. فالأزمة المرورية لن تكون في "ذمة التاريخ"، وهي ليست "طارئة". والاعتراف المأمول، إن تحقق، سيسهم في تقليص الأزمة. ومن أكبر الحلول الناجعة تصميم شبكة نقل عام منافسة، قادرة على خدمة الأردنيين وتنقلهم. وهو ما فشلت الحكومات المتعاقبة في تحقيقه حتى اليوم، بما جعل الأردنيين يكدسون السيارات أمام بيوتهم، وفي شوارع مدنهم.