مشاعر مختلطة في السنوية الأولى للثورة المصرية

 أبغيل هوسلونر - (مجلة تايم) 24/1/2011


ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

القاهرة- تشكل قاعة المحاكمة رقم 24 في محكمة القاهرة الجنوبية عالماً مصغراً صاخباً لمصر ما بعد الثورة. وتعج مقاعدها الخشبية بالرجال والنساء والأولاد الذين يتحدثون ويصرخون ولا يهدؤون أبداً، فيما يجول باعة الشاي والصودا المتجولون بين الحشود بينما يتلو قاضٍ، بصوت غير مسموع، أسماء المدعى عليهم في أكثر من دزينة من القضايا غير ذات الصلة، مشيراً إلى أن قضاياهم قد تأجلت. إنه يوم آخر وحسب في حياة بلد قضت مضاجعه طويلاً ببيروقراطية متصلبة وفساد مستوطن، وقد ألف المصريون حقيقة أن كل شيء هناك يستغرق وقتاً طويلاً.
كانت الرسالة التي بعثت بها الانتفاضة الشعبية التي بدأت قبل عام واستطاعت بعد 18 يوماً وحسب إنهاء حكم الرئيس حسني مبارك الذي استمر ثلاثة عقود، كانت مختلفة تماماً: لا يجب على المصريين أن ينتظروا بشكل سلبي وبفارغ الصبر على أمل أن تحدث هزة من أجل العدالة. إن الأمور يمكن أن تحدث بسرعة لافتة عندما يقررون مصيرهم بأيديهم. وذلك هو السبب وراء نزول العديدين إلى الشوارع مراراً وتكراراً على مدار العام الماضي، محتلين ميدان التحرير ومسارات السكك الحديدية ومداخل الوزارات، ومقدمين طلبات كانت في السابق تعد ضرباً من المستحيل. وبينما احتفل البلد بالذكرى السنوية الأولى للانتفاضة يوم 25 كانون الثاني (يناير)، نزل الآلاف إلى الشوارع مرة أخرى، ليس للاحتفال وحسب بالإنجاز الذي تحقق في العام الماضي، وإنما أيضاً لاستكمال عمل لم يستكمل. ولعل الدرس الذي استقاه المصريون العديدون من خلع مبارك هو أن إسقاط دكتاتور لا يعادل في الحقيقة إسقاط نظامه.
تمثل قاعات المحاكم المكتظة بالناس في مصر، مواطن الوجع غير المتوقفة -عدم الفعالية والفساد والغباء، وحتى عدم صلة القوانين في غياب حاكمية مسؤولة- بالإضافة إلى خيبة آمال الثورة أيضاً. وكانت العدالة الهدف الأكثر اشتراكاً بين الفئات المتنوعة من المصريين الذين انضموا إلى الانتفاضة، ومع ذلك، فإن معظمهم يوافق الرأي على أنها ما تزال مراوغة. ومن ذلك أن رجال الأمن ومسؤولي النظام المتهمين بقتل مئات المحتجين خلال الثورة وفي المظاهرات التي أعقبتها أفلتوا، في معظمهم، من العقاب. ويدعي الناشطون بأنه في العام الممتد منذ بدء بيروقراطية الانتفاضة، مثل أكثر من 12.000 مدني أمام محاكم عسكرية مغلقة، في وقت تستمر فيه محاكمة الرئيس المخلوع منذ شهر آب (أغسطس) الماضي. ويوم الاثنين من الأسبوع الماضي، وفق شبكة التلفزة الأميركية (سي إن إن) -حاجج محامي الدفاع عن مبارك بأن موكله يجب أن يمثل أمام محكمة خاصة؛ لأنه، من الناحية الفنية، لم يوقع أبداً على وثيقة تشهد باستقالته من الرئاسة. وفي الأثناء، يقر أحد المحلفين هذه التفصيلات القانونية تلك لن تحدد قرار المحكمة. ويقول حسام مكاوي؛ القاضي في محكمة جنوب القاهرة: "حتى الآن، تتحدد الطريقة التي تحصل فيها على حقوقك في المحكمة وفقاً لواسطتك ومن هو ابن عمك".
ويتمتع مبارك بواسطة أكثر من معظم المصريين. وليس أدل على ذلك من أن الذين يسيرون أمور البلد راهناً وينظرون في مسائل حساسة مثل حجم الصلاحيات التي سيتمتع بها المجلس البرلماني المنتخب حديثاً، هم جنرالات كان مبارك نفسه قد عينهم. وكان عدة مئات من المحتجين قد تجمعوا خارج الجلسة الافتتاحية للبرلمان الأسبوع الماضي، ووصفوا البرلمان بأنه خطوة اسمية نسبياً على طريق الديمقراطية. وقال محمد فتحي، المحاسب، الذي كان يقف مع المحتجين: "إننا هنا لنقول لهم إن الثورة لم تنته بعد". وأضاف: "نحن هنا لنقول لهم إننا ما نزال في ميدان التحرير، وإن أبناء عمومتنا قتلوا في التحرير، ونحن لم نلمس العدالة للآن". وينتمي أولئك الذين يحتجون خارج البرلمان في جزئهم الضخم إلى مجموعات ثورية ليبرالية علمانية قادت الانتفاضة، لكنها تعرضت للتحييد على يد الإسلامويين -المعتدلين والمتطرفين- عندما طلب من الناخبين اختيار زعمائهم. ويخشى العديد منهم حالياً ظهور تحالف سيمكن الإسلامويين من الحكم في مقابل القبول بمنح الحصانة للجنرالات.
في قاعات المحاكم المصرية، حيث لا توجد هيئة محلفين -كما يقر مكاوي- وحيث يسند القضاة أحكامهم غالباً إلى الرأي الشخصي أو الولاء السياسي، تغيرت دينامية السلطة قليلاً في العام الماضي. ويقول عزت خميس، كبير القضاة في محكمة جنوب القاهرة: "الأمر لا يتعلق بصعوبة التغيير، وإنما بعدم سهولة الطرق على النظام القضائي في مصر". ولا يتوافر القضاة الذين عينهم النظام، مثل خميس البالغ من العمر 66 عاماً، سوى على القليل من الحافز لتغيير النظام الذي جلبهم إلى السلطة. ويقول قاضي الحرس القديم: "حتى الآن يفي نظام العدالة (القضاء) بواجبه في نشر العدالة في أوساط الشعب". ويضيف: "إن نظام مبارك لم يتدخل أبداً في النظام القضائي. ولا يوجد عند أي أحد في أي مؤسسة في هذا البلد ما يقوله ضد حكم القضاة. إن الشيء الوحيد الذي يحكم هو الضمير والقانون، وأي شخص يحاول الإسفاف في حكم ما -من الرئيس إلى أدنى الموظفين مرتبة- سوف يحاكم".
لكن مجموعات الحقوق والعديد من القضاة الليبراليين والمحامين يطعنون في وجهة نظر خميس. فلأعوام، كانت المحاكم أكثر قليلاً من مجرد ختم يصادق على وجهة نظر النظام (توافق من دون مناقشة) كما يقولون، وعندما تحكم ضد النظام -على مواضيع مثل الإفراج عن سجناء سياسيين- فقد كان يجري تجاهل هذه الأحكام ببساطة. ويقول مكاوي إن القضاة تلقوا قبل الانتخابات المزورة للنظام القديم زيادة في رواتبهم لشراء سكوتهم. ويشير إلى أن المفتاح لإجراء تغييرات فعلية يكمن في خلق نظام قضائي مستقل.
لكن، ومع حلول المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية محل نظام حسني مبارك السلطوي مرتدياً حذاءه نفسه، فإن النزر اليسير قد تغير فعلاًً، وهذا ما يفسر سبب عدم تحميل المسؤولية سوى لنفر قليل من المسؤولين عن مقتل الناشطين الديمقراطيين. ويقول مكاوي: "تختار وزارة العدل المحققين وما الذي يحققون فيه، فيما يحكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة وزارة العدل".
وينتقل إلى القول معدداً بعض الاشتباكات التي تركت ما إجماليه حوالي 80 محتجا قتلى في الأشهر الثلاثة الماضية: "وهكذا، ماذا تكون نتيجة هذه التحقيقات؟ حادثة الماسبيرو، ومحمد محمود... إننا بالطبع لا نحصل على أي شيء".
نتيجة لاستشرافه حدوث مشكلة في ذكرى الثورة، ألغى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية يوم الثلاثاء قانون الطوارئ في مصر. وكان من المقرر أن يشهد يوم الأربعاء طائفة من المناسبات والمسيرات التي كانت الأحزاب السياسية والمسؤولون والناشطون قد خططوا لها، حتى أن العسكريين أنفسهم سيحتفلون بالتطورات التي شهدها العام الماضي. لكن الآخرين سيذهبون للاحتجاج. ويقول مكاوي: "سيكون يوم 25 يناير إما شهادة ولادة للثورة، أو شهادة وفاة لها". وستشير القوة الباقية لمعسكر الاحتجاج إلى استمرار الثورة. لكن ظهوراً بائساً سيعلّم الانتقال من الشوارع إلى البرلمان المنتخب كمركز ثقل لحركة الدفع نحو الديمقراطية. لكن مكاوي يبدو مفعماً بالثقة: فقبل عام حقق المحتجون أمراً هائلاً في غضون 18 يوما وحسب، وهو يعتقد بأن لديهم القدرة على فعل الشيء نفسه مرة أخرى. ويقول: "بالطبع لن تكون لدينا الأعداد نفسها التي كانت متواجدة في 25 يناير الماضي، لكن الناس سيخرجون إلى الميادين زرافات ووحدانا". وختم بالقول: "إننا نحتاج فقط إلى توجيه الرسالة".
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Egyptians Mark Their Revolution's Anniversary with Mixed Feelings

اضافة اعلان

 

[email protected]