أزمة المصارف العالمية: الجانب غير المرغوب الحديث عنه

أحمد عوض- إفلاس ثلاثة بنوك أميركية منذ بداية شهر آذار الحالي الى جانب افلاس “كريدي سويس” السويسري والضغوط التي يعاني منها بنك “دوتشي” الألماني، ليست بالأحداث العابرة، فثلاثة منها تعد من البنوك الضخمة على المستوى العالمي، وتحوز على تصنيفات متقدمة وفق شركات التصنيف المتخصصة. ما جرى في هذه المصارف، وضعت السياسيين وصانعي السياسات الاقتصادية والخبراء الاقتصاديين في حالة من القلق الشديد وعدم اليقين مما يمكن أن يحدث مع مصارف أخرى، ولا أحد يعلم تداعياتها رغم كل رسائل التطمينات من الحكومات والمؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية، ولا يستطيع أحد أن يؤكد أنها أزمات معزولة، ويمكن السيطرة عليها والحد من تداعياتها على الاقتصاد العالمي شديد الترابط. المصارف ليست مؤسسات عادية في عالم اليوم، فهي “شريانات” الاقتصادات المختلفة، وأي أزمات تصيبها – خاصة ان كانت بحجم “سيلكون فالي” و “كريدي سويس” و” دوتشي” ستنعكس بالضرورة على اقتصادات الدول التي تعمل فيها، وعلى اتجاهات الاقتصاد العالمي. الانخفاض الكبير في أسعار الطاقة وارتفاع أسعار الذهب، وتراجع أسهم غالبية المؤسسات المصرفية في غالبية دول العالم واضطرابات أسواق المال مؤشر على حالة القلق التي أصابت الاقتصاد والأسواق جراء هذه المشكلات التي يعمل الجميع على محاصرتها، لتفادي تكرار الأزمة المالية العالمية التي حدثت في عام 2008، التي لم يتعاف منها العالم بشكل كامل حتى الآن. صحيح أن الارتفاعات المتتالية لأسعار الفائدة شكلت ضغوطا كبيرة على مختلف المصارف العالمية التي تعيش إداراتها أوقاتا صعبة، وتعاني من تحديات توفير السيولة وتحقيق الأرباح وكفاية رأس المال، وجزء غير قليل منها يعاني ليتمكن من تغطية فوائد الودائع لديه. ولكن، صحيح أيضا أن التسهيلات الكبيرة التي تمنحها الحكومات للبنوك، والنفوذ الكبير الذي تتمتع فيه هذه المؤسسات والقائمين على ادارتها وكبار ملاّكها، جعلها تتجاوز المعايير المتوافق عليها لحوكمة العمل المصرفي، والتي رافقها ضعف في رقابة السلطات النقدية على المؤسسات الضخمة. إدارة المخاطر المصرفية تتطلب التزاما وتطبيقا دقيقا لمعايير “بازل” الدولية المعروفة وبطباعتها المختلفة، للحفاظ على استقرار العمل المصرفي وللحد من مخاطر السوق والائتمان والسيولة وغيرها من المخاطر. المعلومات المتواترة حول حالات افلاس البنوك أعلاه، والأزمات التي تعاني منها بنوك أخرى، توضح أن المساحات التي وفرتها بعض الحكومات والسلطات النقدية التابعة لها، دفعتها لعدم الالتزام بالمبادئ الأساسية للمعاير المتوافق عليها لإدارة المصارف. هذه المساحات التي أدت الى حدوث حالات الإفلاس والأزمات المذكورة حتى الآن، تأتي تطبيقا لفلسفة منح مزيد من الحرية Deregulation للقطاع الخاص والبنوك جزء منه، هي التي تؤدي الى ممارسات تخالف المعايير المتوافق عليها والنصوص القانونية ذات العلاقة، ما يؤدي أن تدفع الى حدوث المزيد من الأزمات المالية والاقتصادية. المزيد من القيود لاحترام معايير الحوكمة وإدارة المخاطر بشكل حصيف وسيادة القانون، هو أحد أهم صمامات الأمان لاستقرار أي مؤسسة اقتصادية وعلى رأسها المؤسسات المصرفية، والأهم من كل ذلك، ليس الإعلان عن ممارسة واحترام هذه المعايير، بل تطبيقها على أرض الواقع. المقال السابق للكاتب: موقف “الأعيان” من تعديلات الضمان.. خطوة بالاتجاه الصحيحاضافة اعلان