إبراهيم سيف يكتب: خريطة الطريق لما بعد كورونا

بات في حكم المؤكد أن نمط الإغلاق والحظر الشامل في العديد من دول العالم غير مستدام، كذلك لا تريد حكومات العالم أن تذهب جهودها والخسائر التي تكبدتها جراء مواجهة انتشار فيروس كورونا هباء، بناء عليه بدأت الحكومات والهيئات ذات الاختصاص تضع خططها لإعادة التشغيل والتعايش مع حقيقة أن فترة تطوير لقاح لفيروس كورونا المتجدد لن تقل عن عام بأفضل الأحوال.اضافة اعلان
ودخل الأردن عمليا في المرحلة الثانية من مكافحة الفيروس، حيث تم البدء بالفتح التدريجي لبعض القطاعات وتزامن ذلك مع انفتاح جغرافي في بعض المحافظات (العقبة)، وعلى الأرجح سيتبع ذلك خطوات متشابهة، ونقترب من موعد حاسم خلال أيام قليلة وهو نهاية إبريل الذي أعلن تمديد الحظر لأجله، فهل سيتم تمديد آخر لموعد الحظر أم أننا سوف نشهد البدء الفعلي باستعادة دورة الإنتاج والابتعاد عن التفاصيل التي ثبت عدم جدواها؟
التوجه العالمي المتزن يحاول الإجابة على تساؤل ما الذي سيحصل بعد أسبوع أو أسبوعين؟ على الأرجح ليس الكثير، إذ باتت الصورة والتوقعات واضحة، وبات هناك الكثير من البروتوكولات والتعليمات الصحية الصارمة التي تضمن التباعد الاجتماعي ومراعاة الظروف الصحية التي استجدت، ومقابل ذلك تستعيد الاقتصادات دورة الإنتاج والتشغيل، وعلى سبيل المثال نشرت بعض الدول مثل فرنسا وبلجيكا وإمارة دبي، دليلا مفصلا يحدد كيفية التعامل مع مرحلة العودة للعمل والتعايش مع كورونا. وها هي بعض خطوط الطيران تستعد للتحليق من جديد.
إلى هنا يبقى الحديث عن الإجراءات الإدارية التي لا بد من اتخاذها بالسرعة الممكنة، وهي تتضمن ما يمكن وصفه بالمغامرة المحسوبة، لأن بديل ذلك مزيد من التراجع الاقتصادي، ولكن ما هي الدروس الاقتصادية الرئيسية والاتجاهات التي تعلمناها من الأزمة؟ لعل أبرزها ضرورة التركيز على السوق المحلية وتعزيز القدرات الذاتية على مستوى الدول وما يرتبط بذلك من تداعيات على التجارة الدولية والانفتاح الذي ميزها لعقود خلت، كذلك من الواضح أن التحولات التكنولوجية وتوظيفها لتعزيز الإنتاجية وتسخيرها لتقديم كافة أشكال الخدمات الصحية والتعليمية هي اتجاه متنام يتطلب الاستثمار أكثر في البنى التحتية المرتبطة بتلك القطاعات ذات الآفاق المستقبلية الواعدة.
تلك القطاعات تشكل فرصا استثمارية لمرحلة ما بعد كورونا، فهي تعتمد البعد المعرفي والتقني، وتتطلب قدرا من الإبداع، ومن شأن التركيز عليها المساعدة في تعزيز منعة الاقتصاد في المستقبل، والمساهمة في تعزيز الصادرات وتجاوز الأبعاد الجغرافية، ولكن هذا لن يحصل دون وجود خطة محكمة ومرنة تحدد القطاعات التي يجب التركيز عليها، وما هي الاحتياجات التمويلية والتشريعية والبشرية اللازمة للمضي في هذا النوع من التحول.
وبقدر ما أدت أزمة كورونا إلى تراجع مستويات النمو، كشفت أيضا عن ضعف بعض القطاعات التي كانت بالكاد قادرة على المنافسة والاستمرار في مرحلة ما قبل الأزمة، فهل سيتم إنقاذها ماليا؟ فلنعترف بأن التحولات سيترتب عليها اندثار لبعض الأنشطة غير الضرورية، ولنقر بأنه ليس كل الأعمال المتعثرة، تعثرت بسبب كورونا بل كانت على حافة الهاوية.
الأزمات أحيانا تظهر بعض الفرص لتصحيح المسار واغتنام الفرص قبل فوات الأوان والتهيئة لانطلاقة جديدة بناء على مستجدات فرضت علينا، والقدرة على التكيف هي ما سيساعدنا على استعادة زخم النمو، ولنعتبر أن الأزمة هيأت الظروف لفتح صفحة جديدة وآفاق جديدة في العديد من القطاعات واتخاذ قرارات جريئة كانت إلى ما قبل شهور في باب المحرمات مثل تخفيض الضرائب وأجور القطاع العام وغيرها من أوامر الدفاع.