إعادة الاعتبار لحق الشعوب بتقرير مصيرها ومقاومة الاحتلال

لعل ما يجري في فلسطين منذ أكثر من سبعة عقود، مع الشعب الفلسطيني مثال فاضح على ما يسمى المعايير المزدوجة التي يمارسها المجتمع الدولي وبعض مكوناته في تعاملها مع حقوق الانسان.

اضافة اعلان


المواقف السياسية للدول الغربية الكبرى الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وعشرات جرائم الحرب الواضحة التي ارتكبها وما يزال في قطاع غزة، وتنكر هذه الدول لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ومقاومة الاحتلال، أعادت النقاش حيال مدى احترام المجتمع الدولي لمنظومة حقوق الإنسان ككلّ متكامل، بعيدا عن المصالح السياسية لهذه الدول.


وليس أدلّ على ذلك من ما يجري منذ ستة أسابيع من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما يشمل المجازر القصدية ضد المدنيين، والتهجير القسري، وقصف المدارس والمستشفيات واحتلالها، وحصار المدنيين، وتجويعهم وتعطيشهم.


أضف إلى ذلك تصريحات قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تنزع الإنسانية عن الفلسطينيين، من مثل تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي بأن الفلسطينيين حيوانات بشرية، وسيتم التعامل معهم وفقا لذلك، ودعوة أكثر من وزير إسرائيلي لتهجير فلسطينيي غزة والضفة الغربية. ودعوة أحدهم لوضع استخدام قنبلة نووية أحد الخيارات للقضاء على الفلسطينيين في غزة.


إن تطور مبادئ حقوق الإنسان، وانتقالها من أطر أخلاقية مجردة، إلى التزامات قانونية دولية، تعد رحلة طويلة ومعقدة تتشابك بعمق مع السياقات السياسية وديناميات القوة المتغيرة في التاريخ العالمي. وقد شهد هذا التحول، الذي اتسم بالحروب والثورات، ظهور العديد من الحقوق الأساسية، من بينها مبدأ حق تقرير المصير.


إن حق الناس في تحديد وضعهم السياسي والسعي لتحقيق تنميتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحرية معترف به في القانون الدولي، ولكنه غالبا ما يواجه تحديات، وبخاصة في السيناريوهات التي تنطوي على الاحتلال والاستعمار.


وأحد أكثر النضالات وضوحا واستمرارية من أجل تقرير المصير هو ما شهدته فلسطين لعقود.. ظل الشعب الفلسطيني يصارع الاحتلال الاسرائيلي، وكانت تطلعاته إلى إقامة دولته تُحبَط باستمرار. ولا يسلط هذا الوضع الضوء على التعقيدات الكامنة في إعمال الحق في تقرير المصير فحسب، بل يثير أيضا تساؤلات حول فعالية والتزام النظام العالمي لحقوق الإنسان في تلبية احتياجات السكان الخاضعين للاحتلال.


وعلى الرغم من ميثاق الأمم المتحدة والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قرارات الأمم المتحدة، التي تؤكد صراحة على حق تقرير المصير ومنح الاستقلال للدول والشعوب المستعمَرة، فإن الإنفاذ العملي لهذه الحقوق يتم عرقلته بشكل مستمر في حالة فلسطين.


عديدة هي القرارات الدولية التي تضمن للشعوب حق تقرير المصير وحق مقاومة المستعمر والمحتل بكافة السبل، بما في ذلك الكفاح المسلح. منها على سبيل المثال قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأعوام 1960 و1970 و1974.


وهنالك قرارات للأمم المتحدة تضمن للشعب الفلسطيني بخاصة العمل على استعادة حقوقه بكافة الوسائل وفقا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة، التي من ضمنها الكفاح المسلح – قرار الجمعية العمومية رقم (3236) لعام 1974.


ومع ذلك، فإن هذا الافتقار إلى التنفيذ العملي ليس مجرد مسألة رقابة قانونية أو جمودا بيروقراطيا. وإنما يرتبط ارتباطًا وثيقا بالمصالح الجيوسياسية والاقتصادية للقوى الكبرى التي غالبا ما تمارس تأثيرا كبيرا على المجتمع الدولي. وكثيراً ما تعطي هذه القوى، من خلال قراراتها وأفعالها، الأولوية لمصالحها الاستراتيجية، التي يمكن أن تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان. والنتيجة هي تراجع ملحوظ في اهتمام المجتمع الدولي وتدخله في المسائل المتعلقة بتقرير المصير ومقاومة الاحتلال، وبخاصة عندما لا تتوافق هذه القضايا مع مصالح هذه الدول ذات النفوذ.


وقد دأبت منظمات الدفاع عن حقوق الانسان العالمية والإقليمية ومنها «هيومن رايتس ووتش» ومنظمة العفو الدولية (أمنستي) على تسليط الضوء على المعايير المزدوجة التي يتبعها المجتمع الدولي في التعامل مع حقوق الإنسان، وبخاصة فيما يتعلق بحالات الاحتلال والاستعمار. وكثيراً ما تكشف تقاريرهم المستفيضة عن نمط من الاهتمام والإجراءات الانتقائية على أساس المصالح الاستراتيجية بدل الالتزام الثابت بمبادئ حقوق الإنسان.


علاوة على ذلك، فإن استخدام مبادئ حقوق الإنسان كأدوات لتحقيق المصالح السياسية من قبل الدول الكبرى يشكل جانباً متكرراً ومثيراً للقلق في العلاقات الدولية. إذ تدافع هذه الدول عن حقوق الإنسان بطريقة انتقائية، فتركز على الانتهاكات التي تخدم مصالحها وتتجاهل الآخرين. وهذا النهج الانتقائي لا يقوض مصداقية الدفاع عن حقوق الإنسان فقط، وإنما يؤدي إلى تآكل سلامة نظام حقوق الإنسان ككل.


استعادة حق الشعوب في تقرير المصير ومقاومة الاحتلال ليس مجرد التزام قانوني أو أخلاقي. إنه اختبار حاسم لارادة المجتمع الدولي في مجال حقوق الإنسان باعتبارها نظاما متكاملا وشاملا. والتطبيق المتسق وغير المتحيز لمبادئ حقوق الإنسان ضروري للحفاظ على شرعية وفعالية هذا النظام. ومع استمرار العالم في التنقل بين حقائق سياسية معقدة، فمن الضروري إعادة التأكيد على هذه المبادئ الأساسية وتعزيزها، وضمان تطبيقها المنصف والعادل على جميع الشعوب، بغض النظر عن المصالح الجيوسياسية القائمة.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا