الأطفال والشيوخ في مواجهة كوفيد 19

تسلط مجريات وباء كوفيد 19 الضوء على الإنجاز والقصور في الأداء الصحي، وتنشئ أيضا مناسبة للاهتمام بهذا المجال؛ الذي غلب عليه في الأردن الابتعاد عن الجدل العام، برغم أنه يجب أن يكون الموضوع الأكثر أهمية لدى الرأي العام، لأنه ببساطة حياتنا الأساسية، وقدرتنا على أن نعيش فترة طويلة في صحة جيدة، فلا معنى لكل الخدمات والأعمال والمصالح والميزانيات إذا لم يكن المواطنون يتمتعون بصحة جيدة، وفي الوقت نفسه فإن المستوى الصحي المتقدم أو الفاشل يعود بالنجاح أو الفشل على جميع القطاعات الخدمية والإنتاجية والسياسية الأخرى.اضافة اعلان
من المؤشرات التي يستدل بها على مستوى الرعاية الصحية والتغذية والعمر المتوقع عند الولادة والتكيف الاجتماعي والنفسي للمواطنين: عدد وفيات الأطفال دون سن الخامسة، ومؤشرات كبار السن؛ إذ يؤشر العمر الذي يصل إليه المواطنون إلى الصحة العامة، ثم المؤشرات التفصيلية المتعلقة بكبار السن، مثل التقاعد والتأمين الصحي والتحديات التي تصيب الناس عادة في الشيخوخة، مثل أمراض القلب والسكري، هذه المؤشرات الصحية والاقتصادية والاجتماعية توضح ببساطة قدرة الدولة والمجتمع على مواجهة التحديات الصحية والأوبئة؛ إذ النظام الصحي السليم يقوم على توفير المدخلات الأساسية للصحة، مثل النظافة والغذاء الجيد والمطاعيم وممارسة الرياضة والوزن المناسب، والبيئة النظيفة الخالية من الملوثات في المدن والأحياء والمباني، وفي ذلك يمكن توفير جهود ونفقات كبيرة في الخدمات الطبية المؤسسية (المستشفيات والمراكز الصحية والأدوية).
تتناسب فرصة الإنسان في العيش فترة طويلة مع فرصته في العيش حتى الخامسة في صحة جيدة. ولذلك فإن العناية بالأطفال في السنوات الخمس الأولى صحيا وتغذويا ونفسيا واجتماعيا تمكن الأفراد جميعا من التمتع بحياة طويلة خالية من المرض تقريبا.
حسب البنك الدولي؛ يبلغ عدد وفيات الأطفال دون الخامسة في الدول المتقدمة 3- 6 لكل ألف. ويبلغ عدد وفيات الأطفال دون الخامسة في الأردن 16 لكل ألف. ولكن إحصاءات اليونيسف تؤشر إلى أكثر من ذلك (25 لكل ألف عام 2009) وتبلغ حسب الأمم المتحدة 18 لكل ألف.
المسألة المهمة جدا أن تزويد الأطفال بالرعاية الصحية والغذاء المناسب في هذه المرحلة ليس صعبا ولا مكلفا في بلد مثل الأردن. ويعتمد أساسا على وعي اجتماعي وأسري ورعاية منتظمة وتقديم المطاعيم. وكل ذلك متوفر ومقدور عليه، ويمكن أن يضاعف فرصة الإنسان في أن يعيش فترة طويلة بصحة جيدة وسلام نفسي وعقلي واجتماعي؛ لأن سوء التغذية مسؤول عن فشل أبدي في النمو والاكتمال الجسدي والنفسي والعقلي والاجتماعي، كما الأمراض والعلل، وخاصة مستوى المناعة ضد الإصابة بالأمراض، وفي ذلك أيضا يمكن التقدير بسهولة مستقبل المواطنين وموقعهم في سلم التقدم التعليمي والاقتصادي والاجتماعي، فعدد وفيات الأطفال ليس رقما معزولا ومتصلا بالطفولة لكنه أصدق وأهم مؤشر على المستقبل.
ويمثل الشيوخ نقطة الضعف الرئيسية في مواجهة الوباء؛ إذ أنهم أقل قدرة على احتمال المرض والحصانة ضده، وإذا أضيف إلى ذلك مؤشرات التأمين الصحي والتقاعد ونسبة الإصابة بالأمراض المزمنة فإن التحدي يزيد خطورة.
إن الدرس الأساسي للناجين من الوباء هو العناية العامة بالشيوخ والأطفال؛ ففي ذلك فقط يمكن مواجهة الوباء والأمراض المختلفة وتخفيف تكاليف العلاج والدواء.