الشارقة.. انتصار الأمل على الخوف!

فريهان سطعان الحسن من اختبر تجربة "عشق القراءة" و"حب الكلمة المكتوبة" في معرض الشارقة الدولي للكتاب على مدار السنين الماضية، لا يمكن أن ينكر الخوف من شبح توقف المعرض الذي بات طقسا سنويا يحتل جزءا من الحيز الزماني الذي بتنا ننتظر قدومه سنويا. المخاوف التي ولدها فيروس "كورونا" لم تترك شيئا من تفاصيل حياتنا إلا وطالته، حتى قدرتنا على أن نعيش تجربة معرض الكتاب مجدداً، فالظروف باتت تفرض محدداتها الجديدة، والجميع بات خاضعاً للشروط والمعوقات، وحده معرض الشارقة للكتاب أبى أن ينحني أمام الصعوبات، فجعل من مواجهة المصاعب عنواناً وتجديداً للأمل، ليبقى شعلة للثقافة، وبوصلة ثابتة لكل جمهور العلم والأدب. "العالم يقرأ من الشارقة"؛ هو مشهد ثقافي حيّ تراه بعينيك، ويتجدد بصورة استثنائية في هذا العام معززاً مساحة معرفة أكبر وثقافة أشمل، مع مشاركة أكثر من 73 دولة عالمية على أرض إمارة الشارقة بفعاليات الدورة الـ39 للمعرض الذي يضم في جنباته أكثر من مليون كتاب. الإعلان عن الحدث الاستثنائي لواحد من أكبر معارض الكتب في العالم، عزز، دون شك، الثقة لدى الكتّاب والمثقفين وقطاع النشر، وأكد أننا بصدد التعافي من جديد بعد ظروف صعبة فرضها فيروس كورونا، فكان معرض الشارقة اليوم أشبه بمنصة "علاجية" ومرحلة للشفاء من الأعراض التي طالت الحراك الثقافي بالفترات الأخيرة، وشكل بارقة أمل تبشر بالخير لسوق صناعة الكتاب. دورة العام الحالي انحازت لأن تكون أنموذجا لمحبي العلم والمعرفة، فقدمت إصدارات لأكثر من 1024 ناشراً عربياً وأجنبياً، واحتفت بتجارب ومشاريع 60 كاتباً وأديباً ومفكراً، عبر سلسلة من جلسات تقام للمرّة الأولى في تاريخ المعرض "عن بُعد" عبر منصة "الشارقة تقرأ" التي تم إطلاقها لتستضيف جميع الفعاليات الثقافية التي تنظمها هيئة الشارقة للكتاب. داخل أروقة المعرض إشارات عديدة تجدد الأمل بأن ثقافة القراءة ما تزال بخير، وأن هنالك جيلا قارئا يعوّل عليه وعلى اهتمامه بالإرث الفكري لمختلف الحضارات، ويدرك أن الثقافة الإنسانية جمعاء تكمن بين صفحات كتاب، يضعه معرض الشارقة اليوم على رفوف تنهض بالثقافة الإنسانية. حاكم الشارقة هو رائد نهضتها وفكرها الثقافي الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وهو الذي آمن دائما بأن الثقافة هي المنارة التي تنقذ المجتمعات من الأفكار الظلامية، وأن مواجهة عقلية الانغلاق والجهل تكون بالعلم والتنوير. الشيخ سلطان القاسمي يؤكد دائما أن الإنسان المتمكن بالمعرفة والمطلع على تجارب الآخرين وإنتاجهم الفكري، هو من يشكل جوهر التنمية ويصنع النهضة، وهو بذلك يؤكد أن معرض الشارقة هو جزء أساسي من معادلة صناعة التغيير الإيجابي. فالمعرض، وعلى امتداد 39 عاماً، استطاع أن يفتح الأبواب نحو عالم التعددية الثقافية والنهضة الفكرية، وأن يجد لنفسه مكانة ثقافية مرموقة في العالم كله، كما تحرص نخبة من المبدعين والأدباء العالميين على حضوره سنويا. بالتأكيد، فإن وباء "كورونا" فرض اختلافات لاحظها زوار المعرض، فجاء إلغاء فعالية الافتتاح الرسمي باليوم الأول الذي اعتدنا عليه سنويا، كذلك تنظيم فعاليات على منصة الهيئة الافتراضية "الشارقة تقرأ" في تبني الصيغة الرقمية لتقليل الاحتكاك المباشر بين الجمهور، والالتزام بأعلى معايير الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار المرض، لكن كل ذلك لم يؤثر على روح المعرض، ولم يقف حائلا دون إقامته بتميز كما كل عام. مع كل الظلام الطاغي على تفاصيل الحياة ومتاعبها غير المنتهية، والضغوطات النفسية التي باتت سمة نعايشها، ومع حالة "اللايقين" والتوجسات من مستقبل ضبابي؛ يأتي معرض الشارقة الدولي للكتاب، ليشحن الأمل في نفوسنا من جديد، ويضيء النور في عتمة الطريق، فيغادر الزائر وهو يحمل في ذاكرته صورا لا تنسى، ومشاهد آسرة راسخة في وجدانه، على أمل لقاء يتجدد يحمل معه حب القراءة والكتابة. نعم؛ "كورونا" فرض شروطه علينا بالتباعد الاجتماعي، لكنه جعل من الكتاب أكثر قرباً ومرافقة للكثيرين.

المقال السابق للكاتبة

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا 

اضافة اعلان