النموذج الفكري ومؤشرات التمويل الإسلامي (6-3)

غسان الطالب*

في المقالة الثالثة حول النموذج الفكري ومؤشرات نمو التمويل الإسلامي، نتحدث اليوم عن مؤشر المعرفة كأحد مؤشرات نمو هذا القطاع، وهذا ينقلنا إلى أهمية الحديث عن الإنتاج المعرفي في هذا القطاع، فالإنتاج المعرفي والتعامل معه في المؤسسات الإنتاجية بشكل عام ليس له سقف أو حدود ورقية نقف عندها، بل هو فضاء رحب وواسع مع ما يشهده العالم من تسارع علمي واستكشافي يتمثل في ثورة الاتصالات والمعلومات والتطور التكنولوجي الذي يشمل مناحي الحياة كافة، وخاصة ما يتعلق بالجانب الإنتاجي الذي أحيانا ما يؤثر في السلوك الاجتماعي والثقافي لأفراد المجتمع، بحيث لم تعد معها الأصول المادية لأي منشأة إنتاجية هي المحدد الرئيسي للعملية الإنتاجية أو قياس مدى نموها وتطورها سواء كانت سلعية أو خدمية، بل دخل مفهوم جديد للأصول المساهمة في العملية الإنتاجية، وهو الأصول المعرفية التي هي في النهاية تمثل رأس المال المعرفي في حدوده العلمية والتكنولوجية المتابع والمتفاعل مع التطور السريع في إنتاج المعرفة بشقيها الفكري والتكنولوجي المرتبط بإنتاج إفكار جديدة أو تطوير الموجود منها أصلا والقائم عليه عمل المنشأة، لهذا لا يمكن فصله عن رأس المال البشري بما يمثله من مجموعة خبرات ومعرفة يمتلكها العاملون أو القائمون على العملية الإنتاجية، وبالتالي سوف ينعكس ذلك على أداء المنشأة وعلى نموها، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنه يسهم في تطوير الأفكار والفلسفة القائمة عليها المنشأة، ما يساعدها على التقدم والتطور وتحسين مستوى الإنتاج.
ما يعنينا هنا هو القول إن الصناعة المصرفية الإسلامية معنية بمجاراة ثورة المعرفة لما شهدته في السنوات الأخيرة من نشاط متميز في قطاعي التمويل والاستثمار الملتزمين بمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، إضافة إلى الاهتمام بجانب الخدمات المصرفية ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي لتطوير أدائها، فهي نشأت في مجتمعات تطبق وتتعامل مع نظم مصرفية تقليدية ما فرض عليها نوعا من التحدي، الأمر الذي تطلب وجود رأسمال بشري، يمتلك المعرفة التي تنسجم مع خصوصيتها في جانب العمل المصرفي وكذلك معرفة في الضوابط الشرعية للمعاملات المالية وما يرافقها من تطور في المعايير الفقهية أو المحاسبية التي تنسجم مع فلسفتها، ويتصف كذلك بامتلاك المهارات والقدرات التي تناسب طبيعة هذه المصارف، نظرا لحجم التحدي الذي تواجهه من جانب، ومن جانب آخر، حتى تكون قادرة على جذب المودعين وتقديم الخدمات المصرفية اللازمة لمعاملاتهم المالية المنسجمة مع أحكام الشريعة الإسلامية والمنافسة لمثيلاتها في البنوك التقليدية، إضافة إلى قدرتها على البحث عن فرص الاستثمار المناسبة والتي تلبي رغبة المودعين، ثم إدارة العمليات الاستثمارية بالشكل الذي يقلل من ارتفاع درجة المخاطرة والسعي لكسب حصة أكبر من السوق المصرفي.
وحتى يكون مؤشر المعرفة كأداة يمكن لنا من خلالها كفاءة وأداء قطاع التمويل الإسلامي، وبالتالي الوقوف على حقيقة نموه، فلا بد لنا أن نتوقف عند أهمية البحث العلمي الذي يقودنا الى التطور المعرفي كونه الركن الأساس لتطوير واكتشاف التكنولوجيا الجديدة، وأن تطوير هذا القطاع يعتمد على المنتجات العلمية والتكنولوجية الحديثة والتواصل المستمر والدؤوب مع كل ما هو جديد خاصة في التكنولوجيا المالية، وحتى يتمكن من القدرة على المنافسة وتحقيق النمو في السوق، لابد من أن يتمتع بمواصفات على درجة عالية من التقدم، وهو ما يتحقق من خلال البحث العلمي، الى جانب ذلك، فلا بد من الاهتمام بكوادرها وخبرائها وتأهيلهم لتحمل مسؤولياتهم المصرفية الملتزمة بأهداف ورسالة المصارف الإسلامية القائمة على الشريعة الإسلامية، وهي المسؤولة عن سلامة وجودة منتجاتها، فلولا وجود رأس المال البشري لما تكلمنا عن الجود، ولا الإبداع ولا عن الابتكار والتجديد ومعرفة مدى تطورها ونموها.. إذن عنصر المعرفة هو مفتاح النجاح والتميز.

اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي