تايوان.. فشل أميركي جديد؟

أحمد جميل عزام- مرة جديدة ترد الصين على «الدبلوماسية» الأميركية في جزيرة تايوان بأدوات عسكرية، وتتحرك الصين في أكثر من اتجاه لتقويض الحكم الذاتي في الجزيرة، دبلوماسياً وعسكرياً، فيما تبدو السياسات الأميركية في حقيقتها تقليص للالتزام ونوع من الهروب من المواجهة مع الصين هناك. يعود الخلاف حول تايوان إلى الحرب الأهلية الصينية (1945 – 1949)، عندما انتصر الشيوعيون وحكموا الصين باستثناء تايوان، التي حكمها قوميون أسسوا كياناً مستقلاً، لم يحظ باعتراف دولي واسع، وإن حظي برعاية وحماية أميركيتين. في الأيام الفائتة، أرسلت الصين أعداداً غير مسبوقة من الطائرات العسكرية، والسفن الحربية، وحاملات الطائرات، قرب تايوان، في مناورات عسكرية، رداّ على زيارة رئيسة تايوان، تساي ينغ- وين، الولايات المتحدة الأميركية، ولقائها رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي. ذات الشيء حدث عندما زارت في آب (اغسطس) الماضي، الرئيسة السابقة لمجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي تايوان، مثيرة غضب الصين التي ردت أيضاً حينها بتدريبات عسكرية واسعة النطاق حول الجزيرة. قبل أيام من هذا التصعيد، وتحديداً نهايات آذار(مارس) 2023، أقامت هندوراس علاقة دبلوماسية رسمية مع الصين وأنهت علاقتها مع تايوان. وبذلك بقي 13 دولة في العالم، تعترف باستقلال تايوان. ورغم أن خطوة هندوراس متواضعة في أهميتها السياسية، والمادية، إلا أنّها أوضحت التقدم الدبلوماسي الصيني، مقابل عجز، أو عدم اهتمام، واشنطن بالتأثير في المجال الدبلوماسي لمواجهة الصين، وحماية حليفها. قبل هذا ضغطت الولايات المتحدة، على تايبيه، لنقل مصانع الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، التي تستخدم في أجهزة الهاتف الخلوي، والحاسوب، والسيارات، من تايوان، التي تعد حالياً أهم وأكبر منتج لهذه الرقائق، إلى الولايات المتحدة، وذلك بدعم حكومي أمريكي بعشرات مليارات الدولارات، بهدف تعزيز الاقتصاد الأميركي، وإبعاد هذه المصانع عن خطر احتلال صيني لتايوان، ورغم أنّ موضوع الرقائق وأشباه المواصلات وضغط واشنطن على تايوان ودول مختلفة حول العالم لمنع تصدير هذه التكنولوجيا للصين موجع لبكين، إلا أنّه في حالة تايوان يعني أيضاً تراجعاً اقتصادياً بضغط أميركي، بدل أن تحظى على الحماية الأميركية. في الواقع أنّ الصين وعلاقتها مع تايوان أمر مختلف تماماً عن علاقة روسيا مع أوكرانيا، فالعالم جميعه بما فيه الولايات المتحدة يعترف بتبعية تايوان التاريخية للصين، ولكن الأهم أن وزن وأهمية الصين اقتصادياً أكبر كثيراً من تجاهله، ودول العالم وأوروبا لن تسرع لمواجهة الصين إذا صعّدت سياساتها في تايوان. من مؤشرات الفشل الأميركي في ملف تايوان تصريح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الأسبوع الفائت، خلال زيارته إلى الصين التي استمرت ثلاثة أيام، إن أوروبا لا يجب أن تتبع واشنطن في موقفها من تايوان «أسوأ شيء هو الاعتقاد بأن علينا نحن الأوروبيين أن نصبح تابعين في هذا الموضوع، وأن نتأقلم مع الإيقاع الأميركي أو رد فعل صيني مبالغ فيه». عسكرياً أيضاً تفشل واشنطن في إظهار التزام موقف واضح، فجزء من زيارة رئيسة تايوان يهدف لمناقشة تعثر عملية إرسال أسلحة، ومساعدات عسكرية، أميركية لتايوان، كان الكونغرس وافق عليها العام الفائت، ضمن برنامج سنوي قيمته ملياري دولار، لكن مشاكل في التمويل تمنع ذلك، ويرفض الرئيس جو بايدن إعلان موقف واضح من الدعم العسكري لتايوان إذا تعرضت لهجوم. الرئيسة التايوانية الحالية، تبنت خطاباً عالي السقف بالدعوة لاستقلال تايوان عن بكين، وفي شهر كانون الثاني(يناير) المقبل تجري انتخابات رئاسية جديدة، لن تترشح فيها الرئيسة لأن القانون لا يسمح لها، وقد يؤدي ذلك للتجديد للحزب الديمقراطي التي تتبع له الرئيسة، لكن قد يأتي خصوم أقل اندفاعاً للاستقلال، ويبدو أن موقف واشنطن وما تقدمه لتايوان سيكون عاملا مؤثرا في نتيجة الانتخابات. لا يبدو أن واشنطن تتمكن من تقديم أداء فاعل وقوي في تايوان، تماماً كما في ملفات أخرى. لعل الرعاية الصينية للاتفاق السعودي الإيراني مؤخراً مؤشر على قوة الصين الدبلوماسية، لكن أيضاً دليل على ضيق أطراف دولية من ضعف الأداء الأميركي في ملفات مثل العراق، وأفغانستان، وإيران، وفشلها في الضغط على دول أوبك لرفع انتاجها النفطي لمواجهة روسيا. المقال السابق للكاتب خمسون عاماً على فرداناضافة اعلان