سيناريو قادم للسياسات والأسواق والأعمال

لم تنشأ تحديات المراجعة في الأعمال والأسواق بفعل كورونا، ولكنها كانت تطرح نفسها من قبل، ونوقشت بتوسع في كبرى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي والشركات العالمية والمصانع، كما الجامعات والمدارس والمؤسسات الإعلامية، ويبدو مرجحا اليوم أن كل ما يمكن إنجازه من خلال الشبكة سوف يتكرس ويبقى، وكل ما استغني عنه بفعل الشبكة سوف يستغنى عنه إلى الأبد.اضافة اعلان
ستكون الضحية الأولى في ظل تغيّر دور السلطة السياسية وعلاقاتها ومجال تأثيرها فئة واسعة من الأعمال والسلع والخدمات التي أنشأتها أو احتكرتها ومعها طبقات ونخب وأعمال وفئات اجتماعية تشكلت حولها، ففي مرحلة كانت السلطة السياسية تنظم السوق والمجتمعات والخدمات والثقافة كان في مقدورها أن تنشئ طبقة واسعة من النخب والأتباع الذين ترزقهم بغير حساب من المنح والعطايا والعطاءات الحكومية والمناصب والفرص والتسهيلات، وفي ذلك تشكَّل ثراء متطفل ومتورم من غير خدمات مكافئة أو إنتاج حقيقي أو مؤسسات ومرافق أساسية ملائمة. ثم قدم المواطنون إلى الطبقة نفسها باعتبارها «قطاعاً خاصاً» ثمناً إضافياً ومضاعفاً للحصول من السوق على الخدمات التي دفعوا الضرائب لأجلها، ولم يحصلوا على خدمات وسلع تتفق في جودتها وكفاءتها مع ما دفعوا ثمنه، فتضاعفت خسائر المواطنين كما تضاعفت أرباح فئة قليلة من غير جهد أو مشاركة كافية في الاقتصاد والخدمات، ثم منحتهم السلطة أولوية كبرى في التعويض عن الأزمات وفي الإنفاق العام ليحصلوا على خدمات وامتيازات لم يدفعوا جزءاً من ثمنها، ومنحت امتيازات ومجالات لشركات وأعمال غير منتجة أو لا تحسن حياة وفرص المواطنين لكنها تستنزف مواردهم. اليوم تكشفت بفعل الشبكية أنها طبقة ومؤسسات وأعمال ومصالح يمكن الاستغناء عنها من غير خسارة.
وفي سعيها إلى الحريات والكرامة تسعى المجتمعات إلى إعادة توجيه المهن والحرف والأعمال الفردية والصغيرة والمتوسطة لترسخ الأسواق وتطورها، وتطلقها في متوالية غير منتهية من المشروعات والموارد الجديدة، وتصلح المنظومات الواسعة للتشريعات والعلاقات الاجتماعية الناظمة الأعمال والمصالح منشئة قيادات اجتماعية مرتبطة بهذه الآفاق والمصالح، تكون هي التي تقود بطبيعة الحال البلديات والنقابات والبرلمانات، وكل ما يتشكل بالانتخاب! هي قيادات جاءت بها القواعد الاجتماعية والموارد والمواقف والكفاءة والمواهب، وتحوز هذه الثقة بمقدار ما تحمي الصناعات والمهن والأعمال والأسواق وتشغل الأفراد والمجتمعات، وتعمل في بيئة دائمة من اليقظة والتنافس لأجل المشاركة الاقتصادية والاجتماعية، لأنها تدرك (يجب أن تدرك) أنها في لحظة نعاسها ترحل ويأتي غيرها!
لقد أنشأت الشبكية في الاتصالات والمعلوماتية فرصاً عملية وحقيقية للعمل والتأثير وتطوير التعليم والتدريب والخدمات والتعليم المستمر والتواصل مع العالم واقتباس التقدم والتجارب والنجاحات المتحققة في أي مكان في العالم، ولم يعد ذلك حكراً على السلطة والنخب، ولكنه تحول مشاعاً وساحات عالمية عامة يشارك فيها جميع الناس بلا استثناء.
وتبدع النخب والقيادات الثقافية والاجتماعية الملهمة وبمشاركة المجتمعات وتشجيعها ونخبها منظومة ثقافية وفنية، من الآداب والفنون والغناء والموسيقا والمسرح لتجعل من أحلام الناس وخيالها وعوداً تلهمها وتلتف حولها، وتنشئ مستمداً منها وحولها منظومة للسلوك الاجتماعي يرقى بها وبحياتها وأفكارها وعلاقاتها، وأسلوب حياتها ومواردها، وعلى النحو الذي يغني الحياة اليومية، ويكرس الفردية، ويزيد الإنتاج والعمل، ويخفض الهدر والخطأ في السلوك والعمل والعلاقات.
ستطور هذه المنظومات نفسها لتلاحظ ما أغفلته أو لم تركز عليه من قبل، مثل تمكين المرأة وزيادة مشاركتها في سوق العمل والإنتاج والإدارة والقيادة، ومكافحة الفساد وتحقيق المحاسبة الاجتماعية، والانتقال بالأعمال والعلاقات إلى مرحلة أرقى من الثقة والجودة ومكافحة الغش والهدر والتلاعب، وضعف مستوى وجودة الخدمات والسلع، وتزيد خبرات المجتمعات، وتتطور الخدمات الاجتماعية نفسها من حدها الأساسي إلى آفاق أرحب وأرقى، لتجعل حياة كبار السن والمرضى والمعوقين أفضل وأكثر حضوراً ومشاركة وإنتاجاً، وتبحث في الغابات والمراعي عن موارد وصناعات جديدة متجددة أقل كلفة وهدراً وأكثر صداقة مع البيئة.