شرور الإنسان في عمل فني!

فريهان سطعان الحسن يبدو أن المسلسل الكوري الشهير “Squid Game لعبة الحبار”؛ استطاع أن يضع كل من شاهده في اختبار حقيقي مع إنسانيته، ليشعر للحظة أنه يقف مكان هذا اللاعب أو ذاك، ممن راهن على حياته وخسارتها لكسب المال. تساءلنا حينها لو أننا نمر في الموقف ذاته، هل كنا سنتخلى عن أخلاقنا ومبادئنا ونختار أن “نسحق” كل شيء أملا في الفوز والكسب، حتى لو كان الثمن إنهاء حياة من يعيق ذلك. لكن في سياق كهذا، ربما يخطر في البال سؤال مهم؛ حين يكون الصراع ما بين الإنسانية أو التنازل عن قيمها، فمن الذي ينتصر؟ في “لعبة الحبار”؛ لعبة الأغنياء الذين يعانون السأم المقيت، ويتوقون إلى التغيير حتى لو كان من خلال أقصى حالات التطرف، بجعل حياة الإنسان لعبة ربما تنتهي في لحظة واحدة، بينما كان أولئك الفقراء أو المهمشون يتوقون إلى أن يعيشوا ببعض كرامة، لذلك يتحمسون كثيرا في أداء اللعبة، وهم يدركون أن الموت يتربص بهم في أي لحظة، فهم يضعون الحياة في كفة والفوز بالمال لسداد الديون في كفة أخرى، كل ذلك لأن الإحباط تملك حياتهم ليشاركوا في لعبة مبهمة، فالجائزة هي حياتك، وربما “جحيم” الكثير من المال. أبطال العمل هم أشخاص محبطون يغمرهم العوز وتطمرهم الديون، ويعيشون على هامش المجتمع، فيشاركون في سلسلة من ألعاب الأطفال، تظهر على أنها جميلة ومبهجة، لكنها تحمل “الموت” عند كل منعطف. اللعبة تحكمها الكثير من الأحكام والاشتراطات، إذ يمكن للاعبين مغادرة اللعبة في أي وقت، إذا صوتت الأغلبية لفعل ذلك، لكن حينما يرون “سوداوية” المشهد خارجا يقررون العودة والمراهنة من جديد على حياتهم. المسلسل يتحدث عن الأمل، وربما يتحدث عن غيابه أكثر، فهؤلاء اللاعبون الذين فقدوا جميع خياراتهم المعقولة في الحياة يلجأون إلى خيارات مجنونة تمتلك إمكانية إعادة البوصلة إلى حياتهم القاحلة. هم يستعيدون الأمل، حتى لو كان بنسبة ضئيلة جدا، لكي يصدقوا أن حياتهم من الممكن أن تتغير، وأن يغادروا المستنقع الذي علقوا به طوال حياتهم. لكن، ومع تقدم اللعبة إلى الأمام، فإن الأمور لا تبقى على حالها، فثمة تأثيرات كبيرة سيتعرضون لها، وسلوكيات جديدة لا بد أن يتلبسوها لكي يتماهوا مع اللعبة التي تنزع عنهم إنسانيتهم بالتدريج، وتحيلهم إلى آلات بلا مشاعر، معززة لديهم سلوكيات العنف، والذي يكون “مبررا” من وجهة نظر اللاعبين، فهم الآن يعيشون الدور بأكمله، في سباق وحشي لارتكاب الجرائم والتخلي عن المبادئ والأخلاق، لكي يحققوا المال، والذي أصبح خلاصهم الوحيد. المسلسل، كذلك، يطرح فكرة الفردية، وتقديس الخلاص الفردي، فالتحالفات آنية، ويمكن أن تأتي في سياق “عدو عدوي صديقي”، لكن سرعان ما يعود العدو عدوا من جديد. هو قانون الغاب، حيث لا ضوابط ولا أخلاق، حيث الحياة تبدو بلا قيمة، فإما أن يموت أو يقتل من أمامه، في صورة تتجلى فيها أكثر طبائع البشر سوداوية وشرا. يعكس المسلسل عالما واقعيا، إلى حد كبير، فمقولات “البقاء للأقوى”، أو الأشرس أو الأغنى، تلقى لها رواجا كبيرا في الفكر الرأسمالي، أو الليبرالي المتوحش، فمثل هذا الفكر لا يعترف بالمعايير الإنسانية، ولا بتشاركية الكوكب والموارد. إنه الواقع بحذافيره، حيث الأثرياء يمتلكون النفوذ والسلطة و”يقامرون” بحياة الفقراء الذين لا يلتفت أحد إليهم. الفجوة واسعة بين الطبقات، والأخلاق قد تتهاوى في سبيل حصد المال وضمان الحياة. “القدرية” التي انبنى عليها العمل الفني، لا تعفي أحدا؛ لا الأغنياء ولا الفقراء. لكن من الممكن لنا أن نلحظ كيف يمكن لفقدان الأمل أن يكون خطيرا جدا، وأن يكون بمقدوره تحويل الإنسان إلى آلة للقتل، متجردا فيها عن كل ما يميزه عن سكان الغابة.

المقال السابق للكاتبة

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا 

اضافة اعلان