قلق الاحتلال من الحريديم في القدس

كشفت الانتخابات البلدية الإسرائيلية، عمق قلق المؤسسة الصهيونية الحاكمة، من تعاظم قوة المتدينين المتزمتين "الحريديم" في القدس المحتلة، على حساب العلمانيين اليهود، الذين يواصلون نزوحهم من المدينة، نحو منطقة تل أبيب الكبرى على وجه خاص. والتخوف الأساس لديهم هو من سيطرة مطلقة للحريديم، ما يهدد طابع الشطر الغربي أساسا، من وجهة نظر الاحتلال. وفي المقابل، فإن كل حسابات الاحتلال لأسرلة الشطر الشرقي المحتل منذ العام 1967، تفرقعت في هذه الانتخابات أيضا.اضافة اعلان
فقد انشغلت الحلبة الإسرائيلية، على كافة المستويات، في حقيقة أن جمهور "الحريديم"، الذي حسب التقديرات تتجاوز نسبته 53% من اليهود في المدينة، هو المقرر في هوية رئيس بلدية الاحتلال، الذي سيتم اختياره في الانتخابات المعادة في 13 الشهر الجاري. وكل التوقعات تقول، إن كل رئيس منتخب، سيكون منصاعا لإملاءات الحريديم في كل ما يتعلق بالحياة العامة في المدينة.
إذ حسب احصائيات الاحتلال، الذي يتعامل مع القدس بشطريها كمدينة واحدة، فإن نسبة اليهود عامة 63%، مقابل 37% فلسطينيين؛ وأن حوالي 35% من اجمالي السكان في الشطرين يعرّفون أنفسهم كحريديم، ما يعني أكثر من 53% من اليهود. في حين أن نسبة كبيرة أخرى، هم من المتدينين الصهاينة، بمعنى متدينين أقل تزمتا دينيا، وهم ضمن الحركة الصهيونية، بخلاف عن الحريديم.
والخوف الصهيوني من الحريديم، هو كونهم مجتمعا تقشفيا متشددا دينيا، يرفض العصرنة، ولا ينخرط في الاقتصاد بشكل كامل، بمعنى أنهم مجتمع ليس منتجا، وليس مستهلكا، بمفهوم اقتصاد السوق؛ ويسعى إلى فرض الشرائع الدينية على كافة نواحي الحياة، وخاصة في كل ما يتعلق بالمواصلات العامة، ومرافق الترفيه والثقافة، والحياة التجارية، وما إلى ذلك. وهذا ما يخيف الجمهور اليهودي العلماني، الذي يواصل نزوحه الى منطقة تل أبيب الكبرى، وبشكل خاص الجيل الشاب، ذو القدرات العلمية والعملية، وذو القدرة الشرائية العالية. 
كذلك فإن سيطرة "الحريديم" تتعاظم في الغلاف الاستيطاني المحيط بالقدس المحتلة، التي بجوارها أضخم مستوطنات الحريديم في المناطق المحتلة منذ العام 1967. فالكثير من الحريديم ينتقلون الى هذه المستوطنات، للاستفادة من أسعار بيوت أقل، ومن الامتيازات المالية التي يحظى بها المستوطنون من حكومة الاحتلال، في حين هم يكونون بعيدين بمسافة تتراوح ما بين 20 إلى 30 دقيقة عن مركز القدس المحتلة. إلا أن هذه الهجرة المزدوجة لجمهوري المستوطنين من المدينة، لا تخل بالنسب الديمغرافية بين المستوطنين والفلسطينيين، بفعل نسب التكاثر العالية لدى اليهود المتدينين.
وهذا يعني بحسب رؤية الحكم الصهيوني، أن القدس ستكون في يوم قريب، تحت سيطرة مطبقة للحريديم، ما سيجعل وجود العلمانيين في المدينة هامشيا نسبيا، وهذا ما يهدد طبيعة المدينة اقتصاديا واجتماعيا.
وفي المقابل، فقد أفشل المقدسيون، أهل المدينة الفلسطينيون، كل رهانات الاحتلال، والنفر الهامشي الذي تواطأ معه، بجر الفلسطينيين الى انتخابات بلدية الاحتلال، بعد 51 عاما على احتلال العام 1967. فقد جرت محاولات لتشكيل قائمة للفلسطينيين، لاقت دعما من جهات إسرائيلية، منها ما يعتبر نفسه "سلاميا"، لتخوض الانتخابات لبلدية القدس. ومشاركة كهذه هي بمثابة اعتراف بالاحتلال وسلطاته، كأمر شرعي في المدينة المحتلة. إلا أن وقفة الاجماع الوطني في القدس المحتلة، وفي الساحة الفلسطينية ككل، أحبطت هذه المحاولة البائسة. وتؤكد التقارير الإسرائيلية، قبل الفلسطينية، أن نسبة مشاركة الفلسطينيين في انتخابات بلدية الاحتلال لم تتعد 1,5% من اجمالي الفلسطينيين، وهي تدل على تراجع مستمر عن نسبة كانت هي أيضا هامشية.
وتؤكد مختلف التقارير الإسرائيلية، قبل الفلسطينية، أن كل محاولات الاحتلال لإظهار نوع من انصهار المدينة بشطريها، باءت بالفشل، وأنها في الواقع مدينتان، وأن كل مشاريع التدجين للفلسطينيين في المدينة، هي أيضا باءت بالفشل الذريع، رغم كل سياسات الحصار الاقتصادي، والقهر السياسي، فأهل المدينة يصرون على رفض مشاريع الاحتلال والتصدي لها.