كفئران السفن الغارقة

يبرز في المشهد الحزبي الإسرائيلي في هذه الأيام، حالة إعادة اصطفافات حزبية، وتنقلات شخصية بين الأحزاب، في معظمها محاولة لضمان الحضور في التركيبة البرلمانية، التي ستفرزها الانتخابات المقبلة في نيسان (ابريل) القريب. وهذا مشهد قائم قبل كل انتخابات، ولكنه يشتد أكثر في هذا العام، ويطغى عليه الانطباع بأنه أشبه بحركة الفئران التي تسارع إلى سطح السفن الغارقة، ومؤشر على حالة أشد لتشرذم الخريطة الحزبية الإسرائيلية، ما سيولد أزمات سياسية أعمق بعد تلك الانتخابات. فقد سارع حزب "العمل"، أقدم الأحزاب الإسرائيلية وأولها، إلى فض الشراكة البرلمانية مع حزب "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني، وهي الشراكة التي تشكلت في انتخابات 2015، وحصلت على 24 مقعدا من أصل 120 مقعدا. وتشير كل الاستطلاعات إلى تهاوي هذا التحالف إلى ما دون 10 مقاعد. ولكن أيضا الاستطلاعات التي ظهرت بعد فض الشراكة، لم تنقذ حزب "العمل" من ورطته، وبقي مع 7 إلى 8 مقاعد. وإذا ما استمرت استطلاعات الرأي تتنبأ بنتائج كهذه، فهذا ما شأنه أن يغيب شخصيات بارزة في الحزب عن الكنيست، ولربما منها من سيسعى للبحث عن اطار سياسي يضمن له مقعده في الولاية البرلمانية المقبلة. في حين أن مصير تسيبي ليفني، التي تتباهى بأنها من صنيعة التيار الأكثر تشددا في حزب الليكود، ولاحقا تبدلت مواقفها، ما يزال مجهولا، وهناك شك في ما إذا ستقبل بها إحدى التشكيلات الانتخابية القائمة أو المتبلورة حديثا، لنقلها مجددا إلى الكنيست. كذلك فإن حزب "كولانو" (كلنا) بزعامة وزير المالية موشيه كحلون، الذي أقيم في انتخابات 2015، بعد انشقاق كحلون عن الليكود في وقت سابق، تشير استطلاعات الرأي إلى أنه سيفقد حتى نصف مقاعده العشرة التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة. ولذا رأينا الشخص الثاني في الحزب، الجنرال احتياط يوآف غالانت يعلن انسحابه من الحزب، وانضمامه إلى حزب الليكود، في محاولة للحصول على مقعد برلماني مضمون في قائمة الليكود، التي ستشهد ازدحاما، لربما الأشد منذ عقدين وأكثر، بسبب نظام الحزب الانتخابي، الذي من شأنه أن يُخرج من الكنيست حتى 40 % من النواب الحاليين. والانسحابات من "كولانو" لا تتوقف عند غالانت، بل تشمل آخرين. والتفاصيل كثيرة في هذا المجال، ولكن ما يراد قوله، إن هذا نابع من حالة التخبط التي تشهدها الحلبة السياسية الإسرائيلية، بشكل خاص في العقود الثلاثة الأخيرة، التي خلالها تقزم حجم الحزبين الأكبرين، اللذين تناوبا على الحكم، "الليكود" و"العمل"، فبعد أن كانا يحصلان معا على ما بين 66 % إلى 75 % من مقاعد البرلمان، باتا يحصلان على أقل من 45 % من المقاعد، وهذا ما أدى الى تعقيدات أكثر في تشكيل الحكومات، وكثرة الأزمات فيها. الأمر الآخر، أنه في العقود الثلاثة، انتقل وزن القرار في الأحزاب الكبيرة، وبشكل خاص في الحزبين الأكبرين، من مؤسسات الأحزاب، إلى جهات باتت تلعب دورا أكبر في القرارات الحكومية: حيتان المال الضخمة، التي وطدت علاقاتها بالتيار الأيديولوجي اليميني الأشد تطرفا. وهذا التلاقي، ساهم كثيرا من استفحال حالة التطرف السياسي في الشارع الإسرائيلي. أيا تكن نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة، من حيث توزيع المقاعد، بين القوائم المتنافسة، فإن المشهد بات محسوما منذ اليوم، وهو أن التركيبة البرلمانية ستكون أشد تشرذما، فيها عدة كتل ذات وزن من 10 مقاعد وأكثر. وكل حكومة ستتشكل، سترتكز بالضرورة على 5 كتل برلمانية وأكثر. وقد علمت التجربة، أنه كلما كان عدد الكتل الوسطية من حيث حجمها البرلماني، وزاد عدد الكتل التي تشكل الائتلاف الحاكم، فإن الأزمات السياسية الداخلية ستتكاثر. وهذا لن يكون بمعزل عن التوجهات السياسية العامة، لأنه بالذات في العقدين الأخيرين، كلما احتدمت الخلافات الداخلية على شؤون عدة، كان مهرب الحكومات نحو تطرف سياسي يميني وحربي أشد.اضافة اعلان