ما دلالات مهاجمة "إسرائيل" للأمم المتحدة ومنظماتها؟

اتساع مساحة مهاجمة دولة الاحتلال الإسرائيلي وانتقاداتها للأمم المتحدة ومنظماتها يعكس نهجا عدوانيا فريدا، ويكشف عن تحديها المستمر للمجتمع الدولي ومؤسساته واستخفافها بالقيم الإنسانية التي قامت عليها المنظمة.

اضافة اعلان


ولهذا السلوك آثار كبيرة على العلاقات الدولية، والالتزام بالقانون الدولي، وديناميكيات حل النزاعات، إلى جانب إظهار حالة التوتر والتخبط التي يعيشها قادة هذا الكيان، ونزعاته الإجرامية.


إن تحدي دولة الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأمم المتحدة، وهي الهيئة التي تمثل، ولو رمزيا – بشكل غير فعال، القانون الدولي وحفظ السلام، يشير إلى تجاهلها للإجماع العالمي والأطر القانونية التي استقرت في إطار منظمة الامم المتحدة، على الرغم من أن القرارات الرئيسية للأمم المتحدة غالبا ما تعكس مصالح الدول القوية. هذا الموقف الإسرائيلي لا يتحدى سلطة الأمم المتحدة فحسب، بل يقوض أيضا الجهود الجماعية لدعم المبادئ والقوانين الدولية.


وامتد هجوم الحكومة الإسرائيلية إلى الأمين العام الحالي للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش»، بسبب تذكيره إسرائيل بالتزاماتها بموجب القانون الدولي. وبسبب تصريحاته العلنية حيال معاناة الفلسطينيين طويلة الأمد من الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكات القانون الإنساني الدولي في غزة والضفة الغربية، وإعلانه أن أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) نتيجة لاستمرار الاحتلال. فهي لم تعتد هذه التوصيفات الصادرة عن شخصيات وهيئات دولية رفيعة المستوى، بما في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة.


وتعاظم هجومهم حين استخدم جوتيريش صلاحياته قبل أسبوعين وفقا للمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، ولفت انتباه مجلس الأمن إلى أن ما تقوم به إسرائيل في غزة من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التهديدات على السلم والأمن الدوليين.


ويتجلى موقف الحكومة الإسرائيلية الصدامي تجاه الأمم المتحدة في دعواتها إلى استقالة الأمين العام «جوتيريش» وفي هجومها العنيف على مختلف هيئات الأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). ويُظهِر هذا النهج بوضوح انزعاج إسرائيل من أي جهة تذكِّرهم بالتزاماتهم الدولية والإنسانية. 


وعلى الرغم من تأثر قرارات الأمم المتحدة بمصالح القوى الكبرى، وبخاصة تلك التي تتمتع بحق النقض (الفيتو)، إلا أنها ما تزال تلعب دورا أساسيا في حل الصراعات العالمية. وعدم امتثال إسرائيل لقراراتها، وبخاصة المتعلقة بالحقوق الفلسطينية، يعيق بشكل كبير جهودها بهذا الاتجاه. 


كما أن الانتقادات الإسرائيلية المتواصلة لـ»أونروا»، وتقييد التأشيرات لمسؤولي الأمم المتحدة رفيعي المستوى، بمن فيهم المفوض السامي لحقوق الإنسان، بالرغم من مواقفه الضعيفة حيال جرائم الاحتلال ومجازره في غزة أخيرا، تؤثر سلبا على فاعلية وأداء هذه المنظمات. 


ويُعد إلغاء تأشيرة المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة «فرانشيسكا ألبانيز»، مثالا آخر على هذا التقييدات النزقة لممثلي الأمم المتحدة. ولا تعرقل هذه الإجراءات تقديم الخدمات والمساعدات الأساسية للفلسطينيين تحت الاحتلال فحسب، بل تثير أيضاً المخاوف بشأن سلامة موظفي الأمم المتحدة وحرية عملهم في فلسطين المحتلة بسبب استمرار الاحتلال. وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض فعالية بعثات الأمم المتحدة، وبخاصة في المجالات الحيوية مثل الصحة والتعليم والإغاثة والخدمات الاجتماعية، والمساعدات الإنسانية المختلفة.


ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد الى توجيه انتقادات شديدة الى «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، متهمين إياها بالتواطؤ مع الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال!. 


ومن المعروف أن الأمم المتحدة أصدرت عددا كبيرا من القرارات ضد إسرائيل بسبب استمرار احتلالها لفلسطين وتوسيع عمليات الاستيطان، التي تجاهلتها إسرائيل بالكامل. اذ أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بين عامي 2015 و2022 فقط نحو 140 قرارا تنتقد إسرائيل. وليس غريبا أن تكون إسرائيل هي الدولة الأكثر رفضاً لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة. 


مواقف دولة الاحتلال الإسرائيلي هذه تشكل تحدياً قانونياً وأخلاقيا كبيرا للعالم وللنظام الدولي القائم. وهجومها المستمر على الأمم المتحدة ووكالاتها يؤثر بشكل عميق على القانون الدولي والدبلوماسية وحل الصراعات وفعالية الحوكمة العالمية. فهي تتحدى المبادئ الأساسية للنظام الدولي وتثير تساؤلات حول مستقبل التعاون الدولي والجهود المبذولة في بناء وحفظ السلام العالمي.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا