هل نحتاج اتفاقا جديدا مع صندوق النقد الدولي؟

خلال العقود الثلاثة ونصف العقد الماضية، أبرم الأردن تسع اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي، وبإعلان الحكومة أخيرا بدء التفاوض مجددا حول برنامج جديد يثار سؤال جوهري: هل يستفيد الأردن حقاً من هذه الاتفاقيات المتكررة مع الصندوق؟ وهل نحن بحاجة لاتفاق وبرنامج جديد معه؟

اضافة اعلان


خلال الفترة المذكورة، عمل الأردن لمدة خمسة وعشرين عاما (آخذا بالاعتبار سنوات الانقطاع) تحت التوجيه الاقتصادي المباشر لصندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأهداف الأساسية للصندوق منذ بدء العمل معه، وهي خفض الدين العام وتقليل عجز الموازنة العامة، ما تزال بعيدة المنال.


إذ بلغ عجز الموازنة قبل المنح والمساعدات في عام 2022 ما يقارب 7 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يمثل نحو 23 % من إجمالي النفقات العامة لذات العام، وهو رقم كبير وخطير جدا. علاوة على ذلك، ارتفع الدين العام إلى ما يقارب 39 مليار دينار، بنسبة تمثل 114 % من الناتج المحلي الإجمالي، ومستوياته وتناميه بشكل مطّرد وسنوي يثير القلق، خصوصا وأن خدمة الدين فقط تستهلك نحو 16 % من مجمل الإيرادات العامة. كان للسياسات الاقتصادية، المدفوعة إلى حد كبير بإجراءات التقشف التي يفرضها صندوق النقد الدولي كجزء من الاتفاقيات المتتالية معه، آثار ملموسة على المستويات المعيشية للمواطنين. حيث مستويات الأجور المنخفضة، وتراجع التوظيف في القطاع العام، ما تسبب في نقص القوى العاملة في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم. ونتيجة لذلك، تأثرت جودة الخدمات في هذه القطاعات الحيوية.


هذا المناخ الاقتصادي أثّر سلبا على المشهد الاجتماعي الأوسع. وارتفعت معدلات الفقر بشكل مثير للقلق؛ إذ وصل إلى 24 %، وفق الأرقام الرسمية، و35 % وفق البنك الدولي. علاوة على ذلك، ارتفعت معدلات البطالة إلى 22.8 % في عام 2022. وعلى رغم تصريحات الصندوق بدعم الحماية الاجتماعية وخلق فرص العمل، يبدو أن سياساته في الأردن تتعارض مع هذه الأهداف، ما أدى إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية.


الآثار لم تقتصر على ارتفاع مستويات الفقر والبطالة، وإنما تعدته إلى فرض منظومة ضريبة غير عادلة (باعتراف الحكومات ذاتها) حيث تشكل الضرائب غير المباشرة 75 % من مجمل العائدات الضريبية، ما شكل ضغوطا كبيرة على الطبقتين الوسطى والفقيرة، وأضعفَ القدرات الاستهلاكية، وبالتالي أضعف النمو الاقتصادي. يبدو أن الهدف الأساس وراء اتفاق الأردن الجديد مع صندوق النقد الدولي هو تأمين تسهيلات للحكومة للحصول على مزيد من القروض.

 

والموضوع لا يقتصر على الاقتراض من الصندوق فحسب، بل من الممولين الآخرين مثل الحكومات ومؤسسات التمويل الدولية والأسواق المالية، بحيث تلبي حاجة الحكومة إلى المزيد من القروض. لا يمكن إنكار أن توقيع اتفاقية جديدة مع الصندوق ستوفر للأردن بعض المساعدات المالية الفورية، ومع ذلك، يجب أن نتساءل عن مخاطر ذلك على تفاقم مشكلة الدين العام في المستقبل. وبينما يلجأ الأردن مرة أخرى إلى صندوق النقد الدولي، على أمل تحقيق الاستقرار المالي، فمن المهم التحقق من الآثار المترتبة على ذلك على المدى الطويل.


من الضروري أن يقيّم الأردن مساره الاقتصادي بشكل نقدي، لإيجاد حالة من التوازن بين الحلول المالية الآنية والحلول الاقتصادية المستدامة بدون زيادة الدين العام باستمرار؟ ومن المهم جدا النظر فيما إذا كان الدخول في اتفاقية أخرى مع صندوق النقد الدولي هو الطريق الصحيح للخروج من أزمتنا الاقتصادية أم لا؟

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا