نزاع شركات التأمين ونقابة الأطباء يهدد حق الأردنيين في الصحة

النزاع القائم حاليا بين شركات التأمين الأردنية ونقابة الأطباء سلط الضوء على الفجوات التي تعاني منها منظومة الرعاية الصحية في الأردن. إذ يمتد هذا النزاع إلى ما هو أبعد من مجرد نزاعات مالية بين الطرفين، بل إنه يجسد تحديا منهجيا أكبر يمكن أن يعرض للخطر الحق في الصحة لمئات آلاف الأردنيين.

اضافة اعلان


المبدأ الأساسي للحق في الصحة مكرس في الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، وتحديداً العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يؤكد أن هذا الحق ليس امتيازا، وإنما هو حق أساسي يجب على كل دولة ضمان توافره.


وتؤكد المبادئ الأساسية للحق في الصحة أن جميع المواطنين، بغض النظر عن مستواهم الاجتماعي والاقتصادي، يجب أن يحصلوا على أعلى مستوى يمكن بلوغه من الرعاية الصحية. غير أن هذه الرؤية النبيلة للصحة كحق عالمي تواجه في الأردن ما يكشف الفجوة بين التزامات الدولة وخياراتها الاقتصادية.


وقد أدى توجه الحكومة نحو تدابير التقشف منذ ثلاثة عقود، بما يتماشى مع توجيهات المؤسسات المالية الدولية، وبخاصة صندوق النقد الدولي، إلى تحولات كبيرة في مشهد الرعاية الصحية الوطنية. وفي الوقت الذي يحتل القطاع الخاص مكانة بارزة في خريطة منظومة الرعاية الصحية في الأردن، بات واضحا أن دور الدولة يتراجع من حيث جودة الخدمات الصحية، ما أفسح المجال أمام القطاع الخاص لملء المساحة.


هذا التحول؛ من نظام رعاية صحية مرتكز على الدولة إلى نظام يحركه السوق عمليا، يلقي بظلال من الشك على مدى التزام الدولة بحماية حقوق المواطنين الصحية؛ إذ إن على الدولة ألا تلعب دورها كجهة تنظيمية فحسب، بل أن تعمل ضامنا للحقوق، بما في ذلك الحق في الصحة.


ولقد أدى تراجع دور الدولة في التزامها بالحق في الصحة وتوفير الرعاية الصحية، بقصد أو بغير قصد، إلى الخضوع لمصالح الشركات، الذي غالبا ما يكون على حساب المواطنين. وما يثير القلق أكثر هو موقفها الانتظاري وترقبها لما سيسفر عنه هذا النزاع، مع افتراض أن ديناميات السوق ستوازن نفسها بشكل طبيعي، وهذا يشكل مقامرة بحياة الناس.


حتى لو وصلت شركات التأمين ونقابة الأطباء لتسوية وأرضية مشتركة في نهاية المطاف، فإن شروط اتفاقها يمكن أن تؤثر سلبا على المواطنين. وبالتأكيد ستنعكس على شكل أقساط تأمين أعلى، أو تغطية مخفضة، أو وصول محدود إلى الخدمات الطبية الأساسية.


بات لزاما أن تعيد الحكومة التفكير في منهجية تعاملها مع الحق في الصحة، فهي ملزمة باحترامه والالتزام واتخاذ التدابير لإنفاذه. والحاجة أصبحت ماسة لإجراء نقلة نوعية، تعيد تحديد دور الدولة، ليس كلاعب يتراجع دوره، وإنما لاعب أساسي يتنامى دوره من حيث شمولية خدمات الرعاية الصحية بأعلى جودة ممكنة علميا.


الصراع بين شركات التأمين ونقابة الأطباء هو أحد أعراض مرض أوسع في مشهد الرعاية الصحية في الأردن. وهي فرصة لمراجعة تفاصيل هذا المشهد ودينامياته كافة، وإعادة بنائه على أسس واضحة تؤكد المبدأ الثابت بأن حقوق الإنسان غير قابلة للتفاوض، وهي أيضا فرصة لإعادة تحديد التزام الدولة الأردنية بصحة مواطنيها فعليا.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا