الإحياء الغريب لحل الدولتين: كيف تجلب حرب غير متخيلة السلام الوحيد المتخيل؟ (2-2)

‏نصب تذكاري في مدينة جنين يجسد خريطة فلسطين التاريخية - (أرشيفية) ‏
‏نصب تذكاري في مدينة جنين يجسد خريطة فلسطين التاريخية - (أرشيفية) ‏

مارتن إنديك* - (فورين أفيرز) 2024/2/20
صديق في ضيق

 

ثمة في الحقيقة عائقان رئيسان يقفان أمام تنفيذ مثل هذه الخطة: الطرفان الأساسيان المتحاربان في هذا الصراع. وفي حين أن سيطرة "حماس" على شمال غزة غير مؤكدة في الوقت الحالي، فإن الحركة ما تزال تحتفظ بمعاقلها تحت الأرض في مدينتي خان يونس ورفح الجنوبيتين. وما تزال الحركة تحتجز حتى الآن نحو 130 رهينة تقوم باستخدامهم كورقة للمساومة.

اضافة اعلان

 

ومن جهة أخرى، كلما طال أمد القتال، تزايدت الضغوط الداخلية على نتنياهو ليوافق على صفقة تتضمن وقفًا شبه دائم لإطلاق النار في مقابل إطلاق سراح الرهائن المتبقين لدى الفصائل الفلسطينية، وهو ما قد يترك جزءًا كبيرًا من البنية التحتية لـ"حماس" وآليات سيطرتها سليمة لم تُمس.


في الأثناء، تستطيع واشنطن أن تحاول إقناع الجيش الإسرائيلي بالتحول إلى نهج أكثر استهدافاً ودقة يؤدي إلى تقليل الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين. لكنّ إنشاء أي نظام في مرحلة ما بعد الحرب يتطلب أولًا تعطيل نظام القيادة والتحكم لدى "حماس"، وهذه نتيجة ليست مضمونة الآن على الإطلاق.


بالإضافة إلى ذلك، سوف يعتمد بقاء ائتلاف حكومة نتنياهو مع الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة على رفض حل الدولتين وأي عودة للسلطة الفلسطينية إلى غزة. وعلى الرغم من التكهنات الشائعة في إسرائيل والتي تتحدث عن إجبار نتنياهو على التنحي في القريب وأن انتخابات جديدة ستجلب ائتلافاً وسطياً إلى السلطة، إفإن مهارات البقاء التي يمتلكها نتنياهو لا تُضاهى، ولذلك لا ينبغي استبعاده أبدًا من الحسابات.


لكن بايدن يمتلك نفوذًا كبيرًا على نتنياهو. كما يعتمد الجيش الإسرائيلي الآن بقوة على الإمدادات العسكرية الأميركية، في وقت يتأمل فيه احتمال اضطراره إلى خوض حرب على جبهتين، ضد "حماس" في غزة و"حزب الله" في جنوب لبنان. وقد استهلكت العمليات الإسرائيلية كميات هائلة من العتاد في حملتها في غزة، مما اضطر إدارة بايدن مرتين على بذل جهود ملحة لتسريع إعادة الإمداد مع تجاوز المراجعة التي ينبغي أن يجريها الكونغرس. وحتى لو ذهبت إسرائيل إلى حملة تكون أكثر دقة واستهدافاً في غزة، فإنها ستحتاج إلى إعادة بناء ترسانتها والاستعداد لحرب محتملة مع "حزب الله" يمكن أن تستهلك الموارد بكثافة.


وحتى الآن، يبدي بايدن ترددًا في تأخير إعادة الإمداد حتى لا يبدو وكأنه يقوض أمن إسرائيل. لكن بايدن يمكنه أن يعمد، في مواجهة مع نتنياهو، إلى المماطلة في اتخاذ بعض القرارات من خلال ربطها بإجراءات بيروقراطية أو طلب مراجعات من الكونغرس. وقد يدفع مثل هذا التصرف الجيش الإسرائيلي إلى الضغط على نتنياهو للرضوخ.

 

كما قد يأتي هذا الضغط أيضاً من كبار الجنرالات من أصحاب الأوسم الذين يخدمون في حكومته الحربية الطارئة، مثل الجنرالين المتقاعدين بيني غانتس وغادي أيزنكوت، اللذين يقودان حزبا رئيسيا في المعارضة؛ ويوآف غالانت، وزير الدفاع.


وقد بدأنا نشهد هذه الدينامية مسبقًا. وعلى الرغم من الجهد الجبار المبذول، تمكنت إدارة بايدن من إقناع الجيش الإسرائيلي بإعادة صياغة استراتيجيته وتكتيكاته والحد من نطاق عملياته ضد "حماس"، وضبط التوسع في مواجهة "حزب الله". كما أقنعته بالسماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، بما في ذلك فتح ميناء أسدود الإسرائيلي أمام الإمدادات.

 

وفي الأثناء، أعرب غالانت علناً عن دعمه لفكرة اضطلاع السلطة الفلسطينية بدور في غزة، في ما يتعارض مباشرة مع موقف رئيس الوزراء.


الآن، تشكل الولايات المتحدة خط الدفاع الأول عن إسرائيل في الكثير من النواحي. وسوف يستمر الجيش الإسرائيلي، على المدى الطويل، في الاعتماد بشكل أساسي على الدعم العسكري الأميركي لإعادة بناء قوة ردعه التي عانت انتكاسة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر).

 

وقد تجسدت هذه الاعتمادية المتجددة بوضوح في قيام الولايات المتحدة بنشر مجموعتين من حاملات الطائرات القتالية في شرق البحر الأبيض المتوسط، وإرسال غواصة نووية إلى المنطقة لردع إيران و"حزب الله" عن الانضمام إلى المعركة في بداية الحرب. قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر)، كانت القدرات العسكرية الإسرائيلية كافية لردع الخصوم، مما أتاح  للولايات المتحدة نشر قواتها الأساسية في أماكن أخرى.

 

لكنّ تقريرًا للقناة الثانية عشرة الإسرائيلية أفاد بأنه عندما قرر المسؤولون الأميركيون في كانون الثاني (يناير) أن الوقت قد حان لسحب إحدى مجموعتي حاملات الطائرات القتالية، طلب منهم الجيش الإسرائيلي إبقاءها.


يشكل هذا الاعتماد الكبير على الدعم التكتيكي والاستراتيجي للولايات المتحدة ظاهرة جديدة. كانت واشنطن في العادة خط الدفاع الثاني لإسرائيل، لكنّ قيامها بنشر مجموعتين قتاليتين من حاملات الطائرات الأميركية يشير إلى أن الولايات المتحدة أصبحت، في بعض النواحي، خط الدفاع الأول عن تل أبيب.

 

ولم تعد إسرائيل قادرة على "الدفاع عن نفسها بنفسها" كما قال نتنياهو متفاخرًا في كثير من الأحيان قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر). وعلى الرغم من أنه قد يحاول فعل كل ما يمكن لتجاهل هذا الواقع الجديد، فإن الجيش الإسرائيلي لا تستطيع أن تتحمل التكاليف.


في الوقت نفسه، تجد إسرائيل نفسها أمام موجة غير مسبوقة من الانتقادات الدولية بسبب استخدامها العشوائي للقوة في المراحل الأولى من الحرب، عندما ردّت بدافع الغضب أكثر مما فعلت على أساس حسابات مدروسة. وقد أدى ذلك إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين.

 

وكانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي كانت الحصن المنيع المدافع بلا توقف عن إسرائيل في وجه الانتقادات الدولية، والتأكيد على حقها في مواصلة الحرب ضد "حماس" على الرغم من كل المطالبات العالمية بوقف إطلاق النار. وقد رأت الولايات المتحدة أن ما تقوم به إسرائيل يخدم المصالح الأميركية أيضاً، لأن تدمير "حماس" يشكل شرطاً مسبقًا لنظام أكثر استقراراً وسلاماً في غزة.

 

لكن عدم تصويت الولايات المتحدة باستخدم حق النقض (الفيتو) مرة واحدة على قرار في مجلس الأمن الدولي يمكن أن يعني فرض عقوبات على إسرائيل. ويمنح تحكم الولايات المتحدة بهذه العزلة السياسية، إلى جانب اعتماد تل أبيب المتزايد على الدعم العسكري الأميركي، لواشنطن نفوذاً كبيراً على إسرائيل.


حتى الآن، كان نتنياهو عازماً على مقاومة نفوذ  الحليف الحقيقي الوحيد لإسرائيل في المجتمع الدولي، وعبر عن ذلك بالرفض العلني الصريح لحل الدولتين من أجل الحفاظ على تماسك ائتلافه وثناء مؤيديه على وقوفه في وجه الولايات المتحدة. لكنّ بايدن يظل قادرًا على استخدام أدوات أخرى للضغط إلى جانب المماطلة في إعادة الإمداد العسكري أو التهديد بعدم استخدام الفيتو أو الامتناع عن التصويت  على قرارات الأمم المتحدة التي تستهدف إسرائيل.

 

في الحقيقة، يعتمد نتنياهو على المجتمع الدولي في تمويل إعادة إعمار غزة. ومن المؤكد أن إسرائيل ليست في وضع يمكنها من دفع نحو 50 مليار دولار -المبلغ المطلوب لإصلاح الأضرار التي نجمت عن حملتها العسكرية.

 

وإذا لم يتوصل نتنياهو إلى تفاهم مع بايدن حول مسار قابل للتطبيق نحو التوصل إلى حل قائم على أساس الدولتين، فإن إسرائيل هي التي ستتحمل العواقب. وقد أوضحت الدول العربية الغنية بالنفط والغاز بشكل متكرر أنها لن تتحمل تكاليف إعادة إعمار غزة ما لم يكن هناك التزام راسخ وواضح بإقامة دولة فلسطينية.

 

وإذا تركت غزة مع الخراب الكبير الذي لحق بها، فسيكون من شأن ذلك أن يضمن استعادة "حماس" سيطرتها على القطاع، وسيكون ذلك سببًا في وجود دولة منهارة على حدود إسرائيل. وربما لا يدرك نتنياهو هذه العواقب بعد، لكنه لا يمتلك خيارًا سوى العثور على طريقة لتلبية المطالب.


أخيراً، يستطيع بايدن التأثير في النقاش العام في إسرائيل من خلال تجاوز نتنياهو ومخاطبة الشعب الإسرائيلي. إنهم يقدرون بشدة أنه كان هناك من أجلهم في أحلك الأوقات بعد هجوم السابع من أكتوبر.

 

بالاسترجاع، أسهمت زيارته لإسرائيل في طمأنة البلاد عندما لم يتمكن نتنياهو من فعل ذلك. ومنذ ذلك الحين، شاهد الإسرائيليون رئيس الولايات المتحدة وهو يدافع عنهم، ويناضل من أجل عودة الرهائن الإسرائيليين، ويسارع إلى إرسال الإمدادات العسكرية إلى جيش الدفاع الإسرائيلي، ويستخدم حق النقض ضد قرارات الأمم المتحدة التي تنتقد إسرائيل.

 

وعلى النقيض من ذلك، كانت شعبية نتنياهو بين الإسرائيليين في أدنى مستوياتها على الإطلاق قبل السابع من أكتوبر بسبب حملته المثيرة للانقسام التي تخدم المصالح الشخصية والرامية إلى الحد من صلاحيات القضاء.

 

ولو أجريت انتخابات اليوم، فإنه سيُمنى بهزيمة ساحقة. وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن أكثر من 70 في المائة من الإسرائيليين يريدون منه التنحي.

 

وفي الوقت نفسه، عبر أكثر من 80 في المائة من الإسرائيليين عن استحسانهم ورؤيتهم الإيجابية تجاه القيادة الأميركية في أعقاب الحرب، وأشاروا إلى أنهم يفضلون بايدن على ترامب بفارق 14 نقطة مئوية، وهي المرة الأولى منذ عقود التي يفضل فيها الإسرائيليون المرشح الديمقراطي على المرشح الجمهوري لمنصب رئيس الولايات المتحدة.


ما الذي يجب أن يفعله بايدن

 


في حال وجد بايدن نفسه في مواجهة مع نتنياهو، فإن خطابًا يتوجه فيه إلى الشعب الإسرائيلي يمكن أن يمنح الرئيس الأميركي الأفضلية. وسيكون الوقت الأمثل لذلك هو الفترة التي تعقب توسط الولايات المتحدة في عملية تبادل أخرى للرهائن الإسرائيليين في مقابل السجناء الفلسطينيين -وهي خطوة سيكون الإسرائيليون ممتنون كثيرًا لها. ولن يكون الهدف الترويج لحل الدولتين لأن الإسرائيليين غير مستعدين لقبوله بعد، وإنما سيكون تقديم تفسير ودي لما تحاول الولايات المتحدة فعله لتأمين الاستقرار في "مرحلة ما بعد الصراع" في غزة، وبالتالي منع إمكانية تكرار ما حدث في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وتحديد مسار تدريجي لإنهاء الصراع الأوسع نطاقًا مع مرور الوقت.


سوف يشرح بايدن أنه لا يريد أن يرى إسرائيل العزيزة عالقة في حرب لا نهاية لها، حيث يُضطر كل جيل لاحق إلى إرسال أبنائه للقتال في شوارع غزة ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية. وسوف يعرض بدلًا من ذلك مساراً بديلاً يجلب الأمل في تحقيق سلام دائم في حال انسجمت الحكومة الإسرائيلية مع تصوره. وينبغي أن يفند ادعاء نتنياهو بأن على إسرائيل الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية الشاملة في الضفة الغربية وغزة، من خلال التأكيد على الترتيبات الأمنية البديلة التي ستشرف عليها الولايات المتحدة، بما في ذلك تجريد الدولة الفلسطينية المتصورة من السلاح، بطريقة تجمع بين مراعاة الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية واحترام السيادة الفلسطينية، ويضمن أن يتمتع الإسرائيليون بدرجة أكبر من الأمن والسلامة مقارنة بما قد يوفره الاحتلال العسكري الدائم.


سوف يكون الرضوخ لبايدن متعارضًا بالتأكيد مع كل غرائز نتنياهو السياسية. ويعرف نتنياهو أن السبيل الوحيد الذي يمكن أن يضمن له البقاء في منصبه الآن هو الحفاظ على ائتلافه مع القوميين المتطرفين الذين يعارضون بشدة إعادة تنشيط السلطة الفلسطينية وحل الدولتين. وإذا استسلم نتنياهو، فإنه سيكون أمام خطر كبير بخسارة موقعه في السلطة. وعندما يجد نتنياهو نفسه في مأزق مع خيارات قليلة، فإنه عادة ما يلجأ إلى المناورة للتعامل مع الموقف، فيقدم تنازلات بسيطة للولايات المتحدة بينما يطمئن مؤيديه المتشددين إلى أن تنازلاته ليست جوهرية. وعندما تعلق الأمر بقضية المستوطنات الإسرائيلية بشكل خاص، فقد نجح دائمًا باستخدام هذه الحيلة على مدار 15 عاماً.


لكن خدعته انكشفت الآن. لم يعد نتنياهو يستطيع أن يدعي بشكل مقنع أنه يدعم حل الدولتين. لقد فعل ذلك من قبل، في العام 2009، لكنه أصبح من الواضح بعد ذلك أنه كان يكذب، خاصة وأنه يتباهى الآن بأنه منع قيام دولة فلسطينية. ولكن، حتى لو استمر نتنياهو في معارضته لهذا الحل، فإن التعاون مع الخطة الأميركية في مرحلة ما بعد الحرب في غزة من شأنه أن يلزمه باتخاذ إجراءات، مثل السماح للسلطة الفلسطينية بالعمل في غزة وتقييد النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، وهو ما سيشكل طريقاً موثوقاً نحو تحقيق حل الدولتين، مما سيعرض ائتلافه الهش للخطر ويفضي على الأغلب إلى إنهاء مسيرته المهنية.


حتى الآن، يبدو أن بايدن يفضل بوضوح تجنب مواجهة مع نتنياهو. لكن المواجهة تبدو حتمية. وبينما يفكر الرئيس في كيفية لفت انتباه نتنياهو إلى الاحتمالات، فإنه يحتاج إلى العثور على طريقة لتغيير حسابات رئيس الوزراء الإسرائيلي -أو، في حال إصرار نتنياهو على المقاومة، العمل على حشد الدعم الشعبي الإسرائيلي للنهج الذي يفضله بايدن لـ"مرحلة ما بعد الصراع".


ينبغي على بايدن أن يوضح للإسرائيليين الخيارات الحقيقية المتاحة أمامهم. يمكنهم مواصلة الاستمرار في السير على الطريق المؤدي إلى حرب أبدية مع الفلسطينيين؛ أو بخلاف ذلك تبني الخطة الأميركية لـ"مرحلة ما بعد الصراع"، والفوز باتفاق سلام مع السعودية وعلاقات أفضل مع العالمين العربي والإسلامي الأوسع.

 

وعلى الرغم من أن نتنياهو رفض مثل هذه الشروط علناً، إلا أنه فعل ذلك بعد اقتراحها عليه في أحاديث خاصة. ويجب على بايدن أن يحاول مرة أخرى، لكنّ عليه هذه المرة أن يعرض الصفقة مباشرة على الجمهور الإسرائيلي بطريقة يمكن أن تصرف تركيزهم عن الصدمة التي أحدثها السابع من تشرين الأول (أكتوبر).


بالإضافة إلى ذلك، سوف يواجه بايدن مشكلة مماثلة -ولو أنها أقل حدة- عندما يتطلب الأمر إقناع الفلسطينيين والقادة العرب، الذين لا يملكون سبباً كافياً ليضعوا ثقتهم في التزامه بإقامة دولة فلسطينية، خصوصاً وأنهم يدركون أنه قد لا يكون موجوداً في البيت الأبيض في العام 2025.

 

ولن يكون تأمين موافقتهم سهلاً. ولذلك اقترح بعضهم أن على الولايات المتحدة أن تعترف بالدولة الفلسطينية الآن، على أن يجري التفاوض على حدودها في وقت لاحق. لكنّ أي مبادرة كبرى من هذا القبيل ستكون أشبه بوضع العربة أمام الحصان، فتكون بذلك متعارضة مع الترتيب المنطقي. وفي الأساس، يجب أن تشرع السلطة الفلسطينية أولاً في بناء مؤسسات تتمتع بالصدقية والشفافية وخاضعة للمساءلة، وإظهار أنها "دولة في طور التكوين" جديرة بالثقة، قبل أن تحظى باعتراف دولي.


لكنّ هناك طريقة أخرى لإظهار الالتزام الأميركي والدولي بحل الدولتين. كان الأساس الذي استندت إليه كل المفاوضات السابقة بين إسرائيل وجيرانها العرب والفلسطينيين هو قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، الذي اعترفت به وقبلته إسرائيل والدول العربية بعد "حرب الأيام الستة" في العام 1967.

 

(في العام 1988، قبلت منظمة التحرير الفلسطينية أيضاً بهذا القرار كأساس للمفاوضات التي أدت إلى اتفاقيات أوسلو). لكنّ القرار 242 لم يتطرق إلى القضية الفلسطينية بإشارة عابرة إلى ضرورة التوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين. ولا يتطرق القرار إلى ذكر أيٍّ من قضايا الوضع النهائي الأخرى، على الرغم من أنه يؤكد بوضوح على "عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب" وضرورة الانسحاب الإسرائيلي "من أراض" احتلتها (وليس "كل الأراضي" التي احتلتها) في حرب 1967.


يمكن أن يضفي قرار جديد معدّل يصدر عن مجلس الأمن، ويهدف إلى تحديث القرار 242، طابعاً رسمياً على التزام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بحل الدولتين ضمن إطار القانون الدولي.

 

وربما يستشهد القرار الجديد بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الداعي إلى إقامة دولتين لشعبين على أساس الاعتراف المتبادل بين دولة إسرائيل اليهودية ودولة فلسطين العربية. ويمكنه أيضاً أن يدعو الجانبين إلى تجنب التدابير أحادية الجانب التي يمكن أن تعرقل تحقيق حل الدولتين، بما في ذلك النشاط الاستيطاني والتحريض والإرهاب.

 

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يطالب القرار بإجراء مفاوضات مباشرة بين الطرفين "في الوقت المناسب" من أجل حل قضايا الوضع النهائي كافة، وإنهاء الصراع وكل ما ينشأ عنه من قضايا ومطالبات. وإذا اقترحت الولايات المتحدة مثل هذا القرار، وإذا أيدته السعودية ودول عربية أخرى، وجرت المصادقة عليه بالإجماع، فلن يكون أمام إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية أي خيار سوى القبول به، تماماً مثلما وافقتا على القرار رقم 242.


حان الوقت

 


لا تنتهي الحروب في كثير من الأحيان إلا بعد أن ينهك الطرفان نفسيهما ويصلا إلى قناعة بأن التعايش مع العدو سيكون أفضل من مواصلة الجهود العبثية لمحاولةتدميره.

 

وما يزال الإسرائيليون والفلسطينيون بعيدون الآن عن هذه النقطة. لكنهما قد يشرعان، بعد أن ينتهي القتال في غزة وتهدأ النفوس، في تأمل كيف سيبلغان تلك المرحلة. وثمة مسبقًا بعض الأسباب التي تدعو إلى الأمل.

 

وأحد أسباب التفاؤل، على سبيل المثال، هو عدم استجابة المواطنين العرب داخل إسرائيل حتى الآن لدعوة "حماس" إلى بدء انتفاضة.

 

وفي الحقيقة، لم تقع الكثير قليل من أعمال العنف الطائفي في المدن العربية اليهودية المختلطة في إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، في حين أن أحد أبرز قادة المجتمع العربي - الإسرائيلي؛ السياسي وعضو الكنيست منصور عباس (لا يمت بصلة قرابة للرئيس الفلسطيني)، دافع بشجاعة عن هدف التعايش.


كتب عباس في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في أواخر تشرين الأول (أكتوبر): "علينا جميعاً، مواطنين عربًا ويهودًا، أن نبذل قصارى جهدنا للتعاون من أجل الحفاظ على السلام والهدوء".

 

وأضاف: "سوف نعزز نسيج العلاقات، ونؤكد التفاهم والتسامح في سبيل تجاوز هذه الأزمة سلمياً". وفي الوقت نفسه لم يلجأ الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى العنف الشعبي (سوى في حوادث فردية)، على الرغم من الاستفزازات وعمليات النهب التي يقوم بها المستوطنون المتطرفون. وربما يشعر الفلسطينيون من الضفة الغربية الذين كانوا يعملون في إسرائيل قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، البالغ عددهم نحو 150.000، بشكل مفهوم، بالإذلال الشديد، لكنهم يفضلون العودة إلى أعمالهم بدلاً من رؤية أولادهم وهم يشتبكون مع الجنود الإسرائيليين عند نقاط التفتيش.


حتى الآن، ما يزال الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء غير مستعدين لتقديم التنازلات الكبيرة التي يتطلبها التعايش الحقيقي، وهم أقل استعداداً للقيام بذلك الآن مما كانوا عليه في نهاية عهد إدارة كلينتون، حينما فشلوا في إبرام صفقة. لكن التكاليف الهائلة المترتبة على رفض التسوية أصبحت أكثر وضوحًا في الأشهر الأخيرة، وسوف تزداد وضوحاً في السنوات المقبلة.

 

ومع مرور الوقت، ربما تدرك الأغلبية في كلا المجتمعين أن الطريقة الوحيدة لتأمين مستقبل أطفالهم هي الانفصال باحترام بدلًا من مواصلة الانخراط في صراع تغذيه الكراهية.

 

ومن الممكن التعجيل في إدراكهم لهذا بظهور قيادة مسؤولة وشجاعة في كلا الجانبين، في حال أرادا ذلك ذات يوم. وفي الأثناء، يمكن أن تبدأ العملية بالتزام دولي بقيام دولة فلسطينية عربية تعيش في سلام وأمن إلى جانب دولة إسرائيل اليهودية، وهو وعد قطعته الولايات المتحدة، وأيدته الدول العربية والمجتمع الدولي، واكتسب صدقية من خلال الجهود المتضافرة الرامية إلى خلق نظام أكثر استقراراً في غزة والضفة الغربية. وفي النهاية، ربما تصل أطراف الصراع وبقية العالم إلى قناعة بأن عقوداً من الدمار والإنكار والخداع لم تتمكن من القضاء على حل الدولتين -بل إنها جعلته أقوى.

*مارتن إنديك Martin Indyk: زميل لوي المميز في مجلس العلاقات الخارجية. كان قد عمل عن كثب مع القادة العرب والإسرائيليين والفلسطينيين أثناء توليه عددًا من المناصب الرفيعة خلال فترة إدارتي كلينتون وأوباما، بما فيها سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل والمبعوث الأميركي الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. وهو مؤلف كتاب "سيد اللعبة: هنري كيسنغر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط" Master of the Game: Henry Kissinger and the Art of Middle East Diplomacy.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:

The Strange Resurrection of the Two-State Solution: How an Unimaginable War Could Bring About the Only Imaginable Peace

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

الإحياء الغريب لحل الدولتين: كيف تجلب حرب غير متخيلة السلام الوحيد المتخيل؟ (1 - 2)