حرية التعبير في أفغانستان.. من الذين أسكتتهم طالبان، ولماذا؟

شرطي من طالبان يدفع صحفيا يغطي احتجاجا لمتظاهرات خارج مدرسة في كابول - (أرشيفية)
شرطي من طالبان يدفع صحفيا يغطي احتجاجا لمتظاهرات خارج مدرسة في كابول - (أرشيفية)

سكوت بيترسون؛ وهداية الله نورزاي – (كرستيان سينس مونيتور) 17/12/2021
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

في آب (أغسطس)، أعلن المتحدث باسم طالبان، سهيل شاهين: "نحن نؤمن بحرية التعبير". وفي الواقع، منذ توليها زمام الأمور، خضع كبار مسؤولي طالبان للاستجواب على شاشات قنوات التلفزيون الوطنية من قبل بعض الصحفيين الذين كانوا قد سعوا في السابق إلى قتلهم…

اضافة اعلان

لكن تصرفات طالبان حتى الآن تكشف عن التزام ضئيل بحرية التعبير وتصميم قوي على إخماد الأصوات المعارضة المحلية -مهما كانت هامشية- من أجل خدمة إمارة طالبان الإسلامية المعلنة ذاتياً.

ويقول المحللون إن هذا ينسجم مع ميل طالبان إلى أن تُستفزّ بسهولة، ومع نهجهم الرامي إلى فرض السيطرة على المجتمع الأفغاني.

* *
بالنسبة لطالبان، على ما يبدو، أثبت نافيد جان أنه شخص خطير للغاية بحيث لا ينبغي السماح له بالعيش.


وعلى الرغم من اقتصاره على مشاركة منشورات منتقدة بشكل معتدل على وسائل التواصل الاجتماعي بعد سيطرة طالبان على أفغانستان، إلا أن حركة طالبان تخلصت من ناشط المجتمع المدني في أواخر تشرين الأول (نوفمبر).


ولم يتمكن أفراد عائلة السيد جان من رؤيته حياً مرة أخرى، وإنما نشروا صورا لجثمانه على الإنترنت ونعوه باعتباره "شهيداً لحرية التعبير".


على مدار عقدين من التدخل الغربي بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان، واللذين ازدهرت فيهما حرية التعبير، شنت حركة طالبان تمردًا تضمنت تكتيكاته قصف وسائل الإعلام، وشن حملة اغتيالات استهدفت نشطاء المجتمع المدني والصحفيين.


ولكن، في آب (أغسطس)، أعلن المتحدث باسم طالبان، سهيل شاهين: "نحن نؤمن بحرية التعبير". وفي الواقع، منذ توليها زمام الأمور، خضع كبار مسؤولي طالبان للاستجواب على شاشات قنوات التلفزة الوطنية من قبل بعض الصحفيين الذين كان هؤلاء المسؤولين قد سعوا في السابق إلى قتلهم.


لكن النتيجة المميتة التي آل إليها السيد جان توضح مخاطر انتقاد النظام الجديد في أفغانستان، حتى مع إظهار طالبان مجموعة من المعايير المختلفة حول ما يعتبرونه مستويات مقبولة من حرية التعبير -من طرح أسئلة صعبة على شاشات التلفزة، من ناحية، إلى القضاء على الاحتجاجات التي تطالب بحقوق المرأة، وضرب، وسجن، بل وحتى قتل النشطاء والإعلاميين الأفغان من ناحية أخرى.


وقد تعرض الأفغان الذين يريدون التعبير بحرية عن آرائهم النقدية لأشهُر من التخويف والرعب، وغالبًا ما تلاحقهم حركة طالبان، وفقًا للعديد من الشهادات.


السيطرة على القاعدة الشعبية


تكشف تصرفات طالبان حتى الآن عن التزام ضئيل بحرية التعبير، وتصميم قوي على إخماد الأصوات المعارضة المحلية -مهما كانت هامشية- في خدمة الإمارة الإسلامية التي أعلنتها طالبان ذاتياً.

ويقول المحللون أن هذا يتماشى مع ميل طالبان إلى الاستفزاز بسهولة، ومع نهجهم لفرض السيطرة على المجتمع الأفغاني.


يقول رحمة الله أميري، المحلل المستقل والخبير في شؤون طالبان المقيم في كابول: "المشكلة، عندما يتعلق الأمر بالنقد، هي أن طالبان لا تبحث عن السمك الكبير؛ إنهم يبحثون عن السمك الصغير.

إنهم يستهدفون بشكل منهجي تلك الأسماك الصغيرة من أجل إغلاق هذا الفصل من حرية التعبير".


ويضيف السيد أميري: "إن اعتقاد طالبان دائمًا هو أن عليك العمل من المستوى المنخفض، وأنكَ إذا لم تتحكم في المجتمع من القواعد الشعبية، فإنك لن تكون قادرًا على السيطرة عليه على المستوى الوطني"


ويقول: "إنك إذا أردت التأكُّد من عدم وجود غابة في المستقبل، فإنك لا تقطع الأشجار الكبيرة؛ إنك (بدلاً من ذلك) لا تسمح للأشجار الصغيرة بالنمو".

وقد أثارت هذه الاستراتيجية قليلًا من الاحتجاج الدولي فحسبن، واستُخدمت بشكل فعال لسنوات "لتحقيق أهداف أوسع"، كما يقول، مقارنةً بنوع الاستهداف "الذي تمكن ملاحظته بسهولة" للأشخاص البارزين.


ثمة دراسة حالة قاتمة هي قصة السيد جان، الذي حصل على درجتي بكالوريوس، في الزراعة والاقتصاد، وافتتح متجرًا لبيع القرطاسية بعد أن استولت طالبان على مدينته، لشكر جاه، عاصمة إقليم هلمند الجنوبي.

وقد لفتت السخرية من حكم طالبان التي عبّر عنها على "فيسبوك" في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) الانتباه بشكل غير متوقع.


نشر السيد جان أن المعلمين المحتجين لا ينبغي أن يطلبوا رواتب من طالبان، الذين "هم أنفسهم ليس لديهم خبز" وكانوا يطلبون من السكان المحليين الطعام والصدقات.


العائلة تناشِد

في غضون أيام، جاء عدد من مقاتلي طالبان إلى منزله، مطالبين "بمقابلة نافيد"، كما يتذكر أفراد الأسرة. وأخذوا هاتفه، وأجبروه على ركوب سيارتهم، واقتادوا الشاب البالغ من العمر 24 عامًا إلى مقر أمني محلي.


بعد ذلك، تم إخبار أول أفراد الأسرة الذي ذهب إلى المقر لمحاولة إطلاق سراح السيد جان بأن منشوراته على "فيسبوك" هي "ضد طالبان"، لكنهم سيطلقون سراحة وسيكون حراً في القريب.

وفي اليوم التالي، ذهب والد السيد جان ذو اللحية البيضاء مع شيوخ العائلة الآخرين ملتمساً العذر بأن ابنه "ارتكب خطأ" لن يتكرر.


ووعدت طالبان مرة أخرى بإطلاق سراحه. ولكن بعد ذلك بيوم، قال قائد طالبان الذي كان قد وعد بإطلاق سراح جان للأب: "ابنك ليس هنا"، ونفى أنه كان موجودًا عندهم في أي يوم من الأيام.


وفي اليوم الرابع، حشدت الأسرة 50 من شيوخ المجتمع لمحاولة إطلاق سراحه، لكن الأوان كان قد فات.

وهي تنشر الآن على الإنترنت صوراً للسيد جان، بما في ذلك جثمانه الذي غادرته الحياة، الذي تظهر عليه آثار التعذيب بعد أن عُثر عليه عائماً بالقرب من ضفاف نهر هلمند، مرتديًا نفس الملابس التي أُخِذ بها من المنزل.


يقول شريف شرفات، شقيق السيد جان: "لا أصدق وعود طالبان، لأن طالبان تتصرف ضد كل شعاراتها. هناك العديد من الأمثلة مثل حالة نافيد، ولكن لا أحد يستطيع رفع صوته".


توقع الخبراء في شؤون طالبان تضاؤل الحريات إذا ما استعاد الجهاديون سيطرتهم مرة أخرى على البلد بعد أن طردهم الجيش الأميركي من السلطة في العام 2001.

ومنذ ذلك الحين، كانت وسائل الإعلام -التي غالبًا ما تتهم بالعمل مع "المحتلين الكفار"- هدفاً خاصاً.

وتصاعدت حملة الاغتيالات المستهدفة في منتصف العام 2020، وأسفرت عن مقتل العشرات من القاضيات الإناث إلى مذيعات التلفزيون.


في أواخر أيلول (سبتمبر)، حظرت لوائح الإعلام الصادرة عن طالبان التقارير "المخالفة للإسلام"، أو "التي تهين الشخصيات الوطنية"، أو التي "يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على موقف الجمهور".


وفي ذلك الوقت، أشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن هذه البنود "فضفاضة وغامضة لدرجة أنها تحظر فعليًا أي تغطية تنتقد لطالبان". وفي أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، وسط تقارير عن تهديدات بالقتل ضد الصحفيين، حظرت قواعد إعلامية أخرى الأفلام "المناهضة" للقيم الإسلامية والدراما التي تشارك فيها ممثلات، وجعلت تغطية الرأس إلزامية للصحفيات على شاشة التلفزيون.


تصف صحفية أفغانية، كتبت من دون ذكر اسمها في صحيفة "الغارديان" اللندنية، أنها هاربة من مقاطعتها منذ آب (أغسطس)، عندما بدأت طالبان "بمطاردة الذين تحدثوا ضدها".

وهي تتلقى تهديدات مستمرة تصف "الأشياء الفظيعة التي سيفعلونها بي".


وتكتب الصحفية: "يقولون لي إنهم سيقتلونني إذا وجدوني.

وأنا أقوم بحظر الأرقام التي يتصلون بي منها، لكنهم يتصلون بي من رقم مختلف أو… على "واتساب" ومنصات المراسلة الأخرى. لقد حظرت أكثر من مائة رقم حتى الآن".


وكتبت أن طالبان اكتشفت زميلاً سابقًا لها مؤخرًا، و"يزعمون أنهم تعقبوه باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي ’جي. بي. أس‘ على هاتفه… أنا مرعوبة من احتمال أن يجدوني".

حساسية من اللهجة

وليس هذا التشدد الذي تمارسه طالبان غير مألوف بالنسبة لمنظمة جهادية ذات رؤية تعتبر مهمتها مقدسة.

ويقول المحلل السيد أميري: "بالنسبة لطالبان، لا يتعلق الأمر بحرية التعبير، أو بما إذا كان ما كتبه (شخص ما) صحيحًا أم خاطئاً، لكن (النشطاء) يجعلون الآخرين يستيقظون.

وإذا رأوا أن هذا الشخص ينشر ويغرِّد بشكل منهجي عن دولة طالبان، فإنهم يأخذون ذلك على محمل الجد".


ويضيف أن اللهجة التي يستخدمها الشخص أكثر أهمية من النقد نفسه. والسخرية من طالبان أو التندر عليها هي لهجة تثير حفيظتها.

ويقول: "الإمارة الإسلامية نقية جداً؛ إنهم يؤمنون بهذا. وهم يعتقدون بأن قول أي شيء عن الإمارة هو شيء مثل خطيئة".


لكن طالبان يمنحون بعض هؤلاء "الأعداء" - بمجرد العثور عليهم- خياراً، مثلما حدث مع ناشط سابق في مجال حقوق الإنسان في مقاطعة فارياب الشمالية الغربية.

وكان هذا الناشط منتقدًا صريحًا لطالبان، وكثيرًا ما تلقى في الماضي تحذيرات وتهديدات بالقتل.


وبحسب زملائه، عندما تم القبض على هذا الناشط خططت طالبان لقتله، لكن شيوخ المجتمع تدخلوا لمنع ذلك.

وعندئذٍ قال له طالبان: "لديك فرصة واحدة للعمل معنا، ولأن تعكس أنشطتنا على أنها إيجابية، أو أننا سنقتلك".


واليوم، تتضمن صفحته على "فيسبوك" تعليقات مثل: "يجب الإشادة بطالبان لتطبيقها الجيد للقواعد.

الحكومة التي ليست لديها قواعد صارمة ليست قوية ومن المستحيل أن تحكم أفغانستان".


وكان رد فعل متابعي الناشط السابق على موقع التواصل الاجتماعي مزدرياً.

وقد نعته أحدهم بأنه "المتحدث باسم الإمارة" الذي يجب عليه أن يراجع ضميره.

واشتكى آخر: "لكَم خُدعنا" بهذا "الذئب في ثياب الحملان".


ومع ذلك، أهال عليه أحد أتباع طالبان المديح، فكتب: "بعد سنوات من الجهل، أدركتَ الحقيقة جيدًا… باب التوبة ما يزال مفتوحا. التفت إلى الله وكن مسلمًا صالحًا".


*سكوت بيترسون: كاتب في الصحيفة. هداية الله نورزاي: مراسلة صحفية تعمل من أفغانستان.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Free speech in Afghanistan? Who is silenced by Taliban, and why