إقصاء النساء من النقاشات والقرارات العائلية "يفتت" تشاركية الأسرة

Untitled-1
Untitled-1

منى أبوحمور

عمان- في كل مرة تجد الأربعينية ليلى حمدان نفسها خارج القرارات المصيرية التي تتعلق بمستقبل أطفالها وعائلتها، ليصل الأمر باتخاذ قرار الانتقال إلى منزل جديد دون أن يتم استشارتها أو معرفة رأيها بذلك.

اضافة اعلان


إقصاء حنان من القرارات التي تتعلق بشؤون عائلتها حتى في أبسط الأمور، يشعرها بالغربة والوحدة داخل البيت، فعلى الرغم من سنوات الزواج الطويلة، إلا أن استثناءها من المشاركة في أي قرار يتعلق بأسرتها وحياتها، أصبح أمرا مزعجا بالنسبة لها، بل ولد لديها الشعور بعدم أهمية وجودها في المنزل.


حال حنان حال 84 % من النساء اللواتي يتعرضن للإقصاء داخل منازلهن بحسب الدراسة التي أجرتها منظمة الصحة العالمية حول أكثر أشكال التحكم بالنساء انتشارا في الأردن، وهو ما أكدته كثير من النساء اللواتي مازلن خارج دائرة القرارات العائلية رغم مرور عقود من الزواج.


استفتاء أجرته "الغد" على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وواتس اب، رصدت من خلاله تجارب بعض النساء اللواتي شاركن تجاربهن مع أسرهن في إقصائهن من القرارات العائلية، إذ اتفقت خلاله معظم النساء على صحة الدراسة وأن الرجال في غالب الأحيان لا يستشيرون زوجاتهم في القرارات التي تتعلق في الأسرة سواء القرارات المادية وحتى الاجتماعية، وكأن المرأة غير معنية بقرارات بيتها وإنما عليها التنفيذ وحسب.


"نفذ ثم أعترض" هكذا عبرت أم طارق عن الحال مع القرارات الأسرية التي يتخذها الزوج داخل بيتها، لافتة إلى أنها في كثير من الأحيان كانت تتفاجأ ببعض القرارات التي يتخذها من خارج البيت، وكأن الأمر لا يعنيها.


اتفقت كثير من النساء أن الرجال يتعمدون إقصائهن من القرارات العائلية ويعتبرونها مسؤوليتهم وحدهم، وأن موافقة النساء في البيت هي تحصيل حاصل ما يشعرهن بحزن كبير وشعور بعدم أهميتهن داخل أسرهن، وفي كثير من الأحيان يتسبب بخلافات عائلية كبيرة.


"حتى الأمور البسيطة داخل البيت ما بيأخذ رأيي فيها"، تقول رابعة الهندي مستهجنة الفكرة من تغييبها وعدم أخذ مشورتها في القرارات العائلية، والتي في الغالب هي من ستنفذها فقط، فهي لا تملك التعبير عن الرأي والاختيار بانتقاء مدارس أبنائها وبناتها، وغيرها العديد من القرارات.


خبير العلاقات الأسرية أحمد عبدالله بدوره يشير إلى أن فن إدارة البيوت وبنائها يقتضي أن يكون لجميع سكان البيت مشاركة في القرار الذي يؤثر على الجميع، وليس بالضرورة أن تكون المشاركة في القرار من أجل تبني قرار الزوجة على حساب قرار الزوج، إنما المشاركة لها معاني أخرى، منها معنى الثقة بالرؤية المشتركة.


ويلفت عبدالله أن مشاركة الزوجة في القرارات العائلية يبني الثقة بالطرف الآخر، وإثراء القرار الشخصي، والأخذ بالزاوية الأنثوية في القرار، جميع ذلك له العديد من الفوائد، الا أن فكرة الإقصاء تدل على قصور في مهارات إدارة المنزل.


ويطرح عبدالله أسئلة حول ما الشعور المتوقع من الإقصاء بشكل متكرر؟ خصوصا في القرارات التي تمس البيت بشكل مباشر؟ ذلك له ردة فعل انفعالية؛ خصوصا حينما تشعر المرأة بالتهميش، وهذا أسوأ ما يحدث من الزوج.

"الحياة الأسرية تشاركية لأن طبيعة يوميات الحياة تطلب هذا الأمر"، وفق عبدالله، بالإضافة إلى أن المشاركة في القرارات ودراستها يعتبر بحد ذاته مساحة واسعة للتعبير عن الحب والتقدير والثقة والتفاهم.


وحول اعتبار إقصاء الزوجة نوعا من أنواع العنف يلفت عبدالله، إلى أن دائرة العنف أضيق بكثير من إدخال هذه الممارسة ضمن معايير العنف، لأن إدخالها من دائرة العنف يعني إدخال الممارسات الشبيهة من المدير والموظف والمسؤول والوزير وغيرها، وهذا أيضا يدفع إلى إدخال الحالة المعاكسة.


اختصاصي علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان يلفت إلى أن من أهم عوامل نجاح أي شخص أو مجموعة أو مؤسسة، مهما كان عملها أو عدد أفرادها أو طبيعة مسؤولياتها، هي القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة المناسبة، التي تحقق المصلحة وتتناسب مع الظرف، فاتخاذ القرار هو اختيار من عدة بدائل وخيارات أو حلول مقترحة لموقف أو مشكلة أو حالة معينة.


واتخاذ القرارات عملية لا غنى عنها للأفراد أو الأسرة أو في المؤسسة أو على مستوى المجتمع والحكومات والدول. وفق سرحان.
ويوضح، من العوامل التي تساهم في اتخاذ قرارات صحيحة لدى الأفراد أو الأسرة أو المؤسسات أو غيرها، هي توفر المعلومات الكافية حول الموضوع أو المشكلة من جميع الجوانب، بحيث تكون هذه المعلومات دقيقة وعلمية، بعيداً عن العواطف أو الانطباعية أو أنها لا تستند إلى مصادر موثوقة.


ويضيف سرحان، من الضروري أن يأخذ متخذ القرار الوقت الكافي لدراسة الخيارات المتعددة والمتاحة، وأن يأخذ بعين الاعتبار قبل اتخاذ القرار الآثار القريبة والبعيدة المدى لقراره، وأن تكون إيجابيات القرار أكثر من سلبياته، وهذا يتطلب تحديد الأولويات في مرحلة ما، فقد يكون قراراً معيناً مناسباً في ظرف أو مكان ما، ولا يكون نفس القرار مناسبا في ظرف أو مكان آخر، ويتجلى ذلك في القرارات الكبرى، وخصوصاً ما يتخذ منها في الأوقات الصعبة.


ومن أهم العوامل التي تساهم في اتخاذ القرارات المناسبة، توسيع دائرة المشاركين في اتخاذ القرار، بحسب سرحان، وهم الأشخاص والجهات التي يتم استشارتها والسماع لآرائها قبل اتخاذ القرار، ومن هؤلاء أهل الخبرة والتجربة والاختصاص، بالإضافة إلى الفئة أو الفئات المتأثرة بالقرار أو مجموعة القرارات، وهؤلاء من أكثر الجهات التي يجب السماع لها بإنصات واهتمام.


ويتابع، فالتشاركية في اتخاذ القرارات تمكن من الاطلاع على المعطيات بوضوح، وتشعر الجميع بمسؤولياته وأنه شريك وليس متلقيا فقط، وتشير إلى احترام صاحب القرار والمسؤول مهما كان موقعه للآخرين، ممن سينفذون ما يطلب منهم.


ويبين، حتى عندما يكون القرار على مستوى الأسرة المكونة من عدة أفراد، فإن المشورة والمشاركة في اتخاذ القرار تجعل منه أكثر نضجاً، وتشعر أفراد الأسرة بالطمأنينة والارتياح والاحترام، ليكونوا أكثر حرصاً على انجاح ما يتم الاتفاق عليه، فهم شركاء في تحمل المسؤولية.


ويتابع، إضافة إلى أنه يترك أثرا طيبا في نفوسهم، فهم ليسوا مجرد منفذين لأوامر ربما لا يدركون هدفها أو أنهم غير مقتنعين بجدواها، حتى وإن كانت قرارات سليمة، فالحوار والنقاش وتبادل الآراء يمكن الجميع من الاطلاع على جميع جوانب الموضوع أو المشكلة، إضافة إلى تدريبهم على كيفية اتخاذ القرار الصحيح، وأن يكونوا شركاء في اتخاذه وتنفيذه.


وهذا يجعلهم أكثر حماسا لإنجاح القرارات، والتقليل من درجة التذمر، وفق سرحان، ويشعر هؤلاء بالمسؤولية ويرفع من درجة الالتزام بالتطبيق النابع من القناعة الذاتية، داخل الأسرة.


ويؤكد على أن التشارك في اتخاذ القرارات مهم جدا، فمشورة الزوجة واشراكها في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأسرة والأمور العائلية هو الأساس، لأنها جزء أساسي منها، وستنعكس آثار القرارات سلبا أو إيجابا عليها. وفي كثير من الأمور التفصيلية فإن الزوجة أكثر معرفة ودراية في أمور الأسرة بحكم المتابعة المستمرة.


ويضيف، في بعض الأمور يكون إشراك الأبناء في اتخاذ القرار أمر مهم، خصوصا عندما يتعلق الأمر بهم أو بمستقبلهم. حتى لو كانت هذه الأمور بسيطة. حتى يشعر الجميع بأنه جزء أساسي من الأسرة، وان إنجاح القرار المتخذ مسؤولية الجميع.

ويلفت إلى أن المشاركة في اتخاذ قرارات الأسرة تجعل الفرد أكثر انتماء وشعورا بالمسؤولية، كما أنها تساهم في تدريب الشخص على اتخاذ القرارات وخطوات ذلك، والتعود على مبدأ المشورة واحترام الرأي الآخر وعدم التفرد واتخاذ قرارات متسرعة قد تكون لها عواقب خطيرة على الجميع.


ويختم سرحان بأن إقصاء الآخرين وعدم اشراكهم في صنع القرارات يفقد متخذ القرار فرصة الاستفادة من خبرات الآخرين وطاقاتهم، ويضعف من حماسهم لانجاح القرارات. ويساهم في الشعور بالتهميش.

إقرأ المزيد :