أخلاق "فيسبوكية"

من حقنا أن نتساءل عما يحصل للكثيرين عندما يدخلون عالم "فيسبوك" أو غيره من وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف تنهار منظومة الأخلاق لديهم بسهولة وسرعة غريبتين! إذ في الوقت الذي تجد بعضهم يتفنن في الإساءة للآخرين من خلف الشاشة، فإنك تستغرب أشد الاستغراب إذا ما شاءت الصدف والتقيته وجها لوجه؛ لتجده شخصا يتعامل معك بسلوك طبيعي بعيد عن الوقاحة وقلة الأدب!اضافة اعلان
هل تتحدد معايير الأخلاق باختلاف المكان والزمان لدى نفس الشخص؟ هل غياب الرادع المباشر يجعل من الإساءة للآخرين أمرا يمكن ارتكابه بكل سهولة، ومن دون أدنى إحساس بالمسؤولية؟ كيف ينقلب البعض إلى أشخاص آخرين بمجرد أن يصبحوا متصلين على الشبكة؛ فيبيحون لأنفسهم التطاول على الآخر وتجاوز حدود اللياقة بكل بساطة؟ هل منظومة الأخلاق منظومة وهمية وضعيفة، تنهار عند أول فرصة يجد فيها البعض أنفسهم بعيدين عن الرقابة؟
كثيرة هي العوامل التي تجعل من سلكونا طيبا ومحترما. فالبعض يعتبر حسن الخلق واجبا دينيا، وآخرون يعتبرونه جزءا أساسيا من التربية، وبعض آخر يرونه في إطار العلاقات والعادات الاجتماعية، في حين يرى البعض أن الأخلاق معيار مجرد يجب الالتزام به. في المحصلة، ومهما اختلفت وجهات النظر، فإن كل ما تم ذكره يجب أن يؤدي إلى نتيجة واحدة، تتلخص في حسن الخلق واحترام النفس واحترام الآخرين.
استسهال الإساءة للآخرين وتوجيه الشتائم لهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ظاهرة جديرة بالدراسة؛ فمن غير المنطقي أو المعقول أو المألوف أن يقوم أحدهم بشتم آخر لمجرد أن رأيه لم يعجبه. إذ الأصل إذا لم يعجبك رأي أحدهم أن تقوم بالاختلاف معه حول رأيه، وأن تطرح وجهة نظرك المخالفة، أو أن تتجاهله بكل بساطة. أما أن تسارع إلى الشتم والإساءة في سلوك لا يمكن وصفه إلا أنه جبن وقلة أدب، فهو أمر غريب وشاذ. والأغرب أن هذا الشخص الذي يكيل الشتائم للآخر في العالم الافتراضي لا يجرؤ على تكرار الفعل في الحياة الواقعية.
الغريب العجيب أن مواقع التواصل الاجتماعي تعج بآلاف الصفحات وملايين "البوستات" التي تتحدث عن الأخلاق وتنتقد تراجعها وانحسارها في المجتمع. وبالفعل، إنه تناقض عجيب وسخرية مُرة عندما تجد أحدهم وقد وشح صفحته بعبارة منقولة عن الأخلاق، ثم تجده وقد مارس عكسها تماما خلال دقائق.
بالتأكيد لا يمكن التعميم. لكن الظاهرة مقلقة وتحتاج إلى دراسة من مختصين، لاسيما وأننا نتجه رويدا رويدا إلى عالم تختلط فيه سلوكياتنا "الفيسبوكية" مع سلوكياتنا الحقيقية، وإذا فقدنا المعيار الأخلاقي في العالم الافتراضي، فإننا بالتأكيد سنفقده قريبا في العالم الواقعي، ولكم أن تتخيلوا أين ستنتهي بنا الحال لو حدث مثل هذا الأمر.