إيران وطبول الحرب

يوشكا فيشر*

بينما ما تزال أوروبا منشغلة بأزمة "الحركة البطيئة"، في حين يتملك الذهول من قوى عالمية أخرى إزاء المشهد الغريب لمسؤولين أوروبيين يبذلون جهوداً لا حصر لها لإنقاذ اليورو، فإن سحب الحرب تتجمع في سماء إيران من جديد.اضافة اعلان
فقد ظلت إيران لسنوات تلاحق برنامجاً نووياً وتسعى إلى تطوير صواريخ بعيدة المدى، وهو ما يشير إلى استنتاج واحد: إن قادة البلاد عازمون على بناء أسلحة نووية، أو على الأقل بلوغ العتبة التكنولوجية التي لا يتطلب الأمر من بعدها سوى اتخاذ قرار سياسي واحد لتحقيق هذه الغاية.
وقد أخفت إيران أجزاء كبيرة من هذا البرنامج. كما أنفقت البلاد ملايين الدولارات على شراء تكنولوجيا التخصيب غير القانونية وتصميمات الأسلحة النووية من العالم النووي الباكستاني عبدالقدير خان. والواقع أن إيران المسلحة بأسلحة نووية من شأنها أن تبدل بشكل جذري التوازن الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. وفي أفضل تقدير، فإن سباق التسلح النووي قد يهدد بالتهام هذه المنطقة التي تفتقر إلى الاستقرار بالفعل، ما قد يترتب عليه من عواقب عالمية بعيدة المدى.
وفي أسوأ تقدير فإن الأسلحة النووية من شأنها أن تخدم السياسة الخارجية "الثورية" التي تنتهجها إيران في المنطقة، والتي يلاحقها قادة البلاد منذ مولد الجمهورية الإسلامية في عام 1979، ما يُعَد بمثابة الكابوس ليس فقط بالنسبة لإسرائيل، التي تمتلك القدرة على توجيه ضربة ثانية، بل وأيضاً بالنسبة للدول العربية المجاورة غير النووية وتركيا. ولم تسفر كل المحاولات التفاوضية عن أي شيء، مع استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم وتحسين تكنولوجيتها النووية. ورغم أن العقوبات مفيدة فإنها لا تحقق الغرض منها إلا في الأمد البعيد، ومن غير المحتمل أن يحدث تغير في توازن القوى الداخلية في البلاد في الأمد القريب. أي أنها مسألة وقت لا أكثر قبل أن يجد جيران إيران أنفسهم والمجتمع الدولي في مواجهة خيار مصيري: فإما أن يتقبلوا إيران كقوة نووية، وإما أن يقرروا أن مجرد الاحتمال، الذي أصبح أكثر واقعية، لابد وأن يؤدي إلى الحرب.
والواقع أن العام المقبل يَعِد بأن يكون حاسما. فقد اقترحت الحكومة الإسرائيلية مؤخراً أن إيران قد تبلغ العتبة النووية في غضون تسعة أشهر، وقد تتحول إيران إلى قضية رئيسية في فترة الإعداد الطويلة للانتخابات الرئاسية الأميركية المنتظرة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012. ومن الصعب أن نتخيل أن الحكومة الإسرائيلية الحالية قد تقف مكتوفة اليدين بينما تتحول إيران إلى قوة نووية (أو شبه نووية).
هناك شكوك خطيرة حول إمكانية القضاء على البرنامج النووي الإيراني من الجو. والواقع أن التدخل العسكري، الذي سوف تدينه أجزاء كبيرة من العالم على الأرجح، من شأنه أن يمهد المسار الدبلوماسي أمام القنبلة الإيرانية.
تاريخيا، كانت الطريق إلى الكارثة مفروشة في أغلب الأحوال بالنوايا الحسنة والأخطاء الجسيمة في الحكم على الأمور. وقد يتكرر هذا في العام 2012 إذا تسببت الحسابات الخاطئة من جانب جميع الأطراف في تمهيد الطريق إلى الحرب أو إلى إيران النووية، أو إلى الأمرين إذا تحرينا الواقعية. ومن الواضح أن المزيد من التصعيد في منطقة الشرق الأوسط سوف يتوج بهذه البدائل البائسة آجلاً وليس عاجلا، ما لم يتم التوصل إلى حل دبلوماسي.


*وزير خارجية ألمانيا ونائب مستشارها أثناء الفترة 1998-2005.
خاص بـ"الغد" بالتنسيق مع بروجيكت سنديكيت.

[email protected]