"الحل" هو الحل

بصمت وهدوء وتواطؤ فلسطيني – إسرائيلي على تجاهل المناسبة، تحل غدا الذكرى الثامنة عشرة لتوقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وهو الاتفاق الذي مات سريريا بعد وقت قصير من توقيعه التاريخي.اضافة اعلان
لا أحد يريد اتفاق أوسلو، ولا أحد يرغب في تذكره أو التذكير به أو الحديث عنه، وكأنه نقطة سوداء في الذاكرة السياسية للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. ولا ينحصر هذا الإحساس في السلطة الفلسطينية وحكومة إسرائيل بل ينسحب أيضا على الجمهور في الجانبين.
بالطبع، ما تزال نتائج أوسلو قائمة، فالسلطة الإدارية موجودة على جزء صغير من الأرض الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي يفرض نفسه عسكريا على كل الأرض، بما فيها قطاع غزة المحاصر من كل الجهات.. الفلسطينيون يشعرون بالمرارة من الإغلاقات الإسرائيلية المستمرة لطريق السلام، وتنكر إسرائيل لوعودها. والإسرائيليون يشعرون بالورطة، وهم يعتقدون أن توقيعهم في أوسلو أحضر الدب إلى كرمهم في الضفة والقطاع.
إسرائيل لا تحترم تعهداتها في الاتفاق، والسلطة لا تطالب "الطرف الآخر" باحترام تعهداته، والاتفاق يموت بدون نعي ولا تأبين، والطرفان يتمسكان بخيار "السلام"، وكأنه قدر لا فكاك منه، ولا بديل عنه.
ربما ينبغي أن يكون السلام قدرا وخيارا وحيدا، لكن ما يجري على الأرض يدحض أي وهم بجدوى التسوية، خاصة بالنسبة للفلسطينيين الذين يدركون الآن أن اسرائيل وأميركا ليستا معنيتين بعملية السلام، بل تسعيان للحفاظ على "سلام العملية"، وإدامة حالة الكر والفر التفاوضي التي لا تنتج حلا.
تفاوَضَ الفلسطينيون مع حكومات "العمل" و"كاديما" و"الليكود" ولم يتغير شيء في الموقف الإسرائيلي المعلن. وواصل الفلسطينيون الالتزام بتطبيق بنود الاتفاقات، بينما أصر الإسرائيليون، بدعم أميركي، على خرق هذه الاتفاقات والقفز عنها، واستشرسوا في خلق واقع جديد على الأرض يحول دون تحقيق أي صيغة للحل يقبل بها الفلسطينيون والعرب، فتضاعفت أعداد المستوطنات وساكنيها، وتزايدت حملات مصادرة الأراضي، وتواصل مشروع تهويد الضفة، وأقيم الجدار.. وجرى كل ذلك أمام أنظار العالم الذي لم يتدخل، الا عندما تقتضي الضرورة استخدام "الفيتو" ضد أي مشروع قرار دولي ينصف الفلسطينيين، ولو جزئيا.
أمام هذا الواقع، وفي زمن الفراغ السياسي الكبير الذي خلفه رحيل ياسر عرفات، تراجع العمل الفلسطيني إلى مستوياته الدنيا، وتحول "الرقم الصعب" إلى "حيط واطي"، وتواصلت محاولات الخروج من أعناق الزجاج، وفتح الثغرات في الجدران من خلال قفزات مفاجئة، كان آخرها قرار التوجه إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف كامل بالدولة الفلسطينية.
بالطبع، لا يمكن النظر الى هذا التوجه باعتباره مغامرة أو مقامرة، ولا يمكن التقليل من قيمة الجهد الدبلوماسي الفلسطيني والإسناد العربي لهذه الخطوة السياسية المهمة، لكن مكمن الخطورة يتجلى في سيناريوهات ما بعد الخطوة.
بالضرورة، سيواجه الفلسطينيون والعرب معارضة أميركية قوية، وبالضرورة أيضا لن يستطيع العرب التصدي للهيمنة الأميركية على المنظمة الدولية، وسينتهي الأمر بنا إلى تحمل خسائر سياسية كان يمكن تجاوزها. لا نعرف مسبقا كيف ستجري الأمور في الأمم المتحدة، لكن المنطق يفرض الاستعداد لما بعد أيلول، ودراسة الخيارات الممكنة، وهي خيارات محدودة جدا ويبدو أهمها وأقواها الإعلان عن حل السلطة الفلسطينية، والعودة الى منظمة التحرير، ووضع إسرائيل، ومن ورائها أميركا أمام مسؤولية إدارة الأراضي المحتلة، لأنها أراض فلسطينية لم تتحرر رغم قيام السلطة، ولأن أيلول الذي شهد ولادة أوسلو هو أنسب وقت لولادة فلسطينية جديدة.