الرخاء الإسرائيلي يعاني من العزلة

دومنيك مويزي*

من الصعب أن لا يفاجأ المرء بالفرق بين حيوية الاقتصاد والمجتمع المدني الإسرائيلي وذلك على النمط "الآسيوي" وبين الطبيعة الدفاعية الخالصة لمقاربتها فيما يتعلق بالتغيير السياسي داخل وخارج إسرائيل. هناك قانون صدر مؤخرا يمنع المواطنين الإسرائيليين من دعم حملات المقاطعة الغربية التي تستهدف تغيير سياسات إسرائيل المتعلقة بالمستوطنات ودعم قيام دولة فلسطينية مستقلة. وبينما لم تكن إسرائيل في السابق بمثل هذا الرخاء والديناميكية والثقة، لكنها لم تكن أيضا بمثل هذه العزلة الدولية.اضافة اعلان
لقد كان بإمكان إسرائيل أن تنظر إلى الربيع العربي كفرصة وليس كخطر كبير. فلو استطاع المواطنون العرب تحويل ثقافة الإذلال عندهم إلى ثقافة الأمل، فربما سيكون بإمكانهم أن يتقبلوا وجود إسرائيل، لكن ردة فعل القادة الإسرائيليين على الاضطرابات العربية كانت سلبية، إذ في تقدير هؤلاء فإن الجو الإقليمي المعقد قد أصبح الآن أكثر خطرا، مما يعني أن الحيطة قد أصبحت مسألة أكثر إلحاحا.
بالنسبة لإسرائيل، فإن مستبدي الأمس مثل الرئيس المصري السابق كانوا أسهل من حيث توقع تصرفاتهم مقارنة "بالحماهير العربية". وبينما من الممكن أن مصدر الإلهام لبعض المتظاهرين كان القيم الديمقراطية فإن الإسرائيليين يقولون إنه ليس لديهم أي شك بأن القوى الإسلامية سوف تكون القوى الوحيدة الرابحة، وتلك القوى أكثر عدائية لإسرائيل والغرب مقارنة بمن كان قبلها.
بالطبع، مع قيام النظام السوري بارتكاب مجازر بحق مواطنيه، فإن البعض في إسرائيل يقولون إن معاناة سكان غزة هي أقل بكثير مقارنة بذلك، وهكذا فإن التعاطف مع تلك المعاناة هي أقل من العام الماضي. لكن يجب أن لا يحجب ذلك النظرة الدبلوماسية العامة لإسرائيل والتي تبقى سلبية.
إن ردة الفعل التركية الغاضبة على التصرفات الوحشية للنظام السوري يخلق فرصة يجب على إسرائيل اغتنامها من أجل محاولة استعادة علاقاتها المتميزة مع حكومة رجب طيب أردوغان، والتي كانت قائمة قبل حصار غزة. لكن هذا سوف يقتضي ضمنا بادرة صغيرة تجاه الفلسطينيين الذين يعتبرهم الإسرائيليون مقسمين، لدرجة أن تحقيق أي تقدم في التسوية السلمية لا يبدو ممكنا.
إن القادة الإسرائيليين مصممون على كسب الوقت لأسباب تكتيكية وذلك من خلال مقاومة الضغط الناعم الذي تقوم به إدارة الرئيس باراك أوباما، ولأسباب استراتيجية وذلك من خلال إعداد البلاد لعالم جديد تقوم فيه القوى الصاعدة مثل الصين بلعب دور أكثر أهمية.
لكن العالم سيكون عالما لم تعد فيه إسرائيل قادرة على الاعتماد على مشاعر الذنب المتعلقة بالمحرقة من أجل التأثير على القوى العظمى؛ سوف يكون عالما يذوب فيه التنافس بين الديانات التوحيدية في محيط من الديانات التي تؤمن بعدة آلهة، بحيث لا تستطيع إسرائيل الاعتماد إلا على مزاياها مقارنة بالآخرين في أعين لاعبين ساخرين وواقعيين، والذين سوف يحكمون عليها فقط على أساس مصالحهم الوطنية.
ربما تكون إسرائيل ذات طابع أوروبي، وربما تبقى الولايات المتحدة الأميركية حليفا رئيسيا لإسرائيل لسنوات عديدة قادمة، ولكن يتوجب على القادة الإسرائيليين البدء بالتفكير في كيف يمكن أن تنتعش بلادهم في مرحلة ما بعد العصر الغربي. إن "مؤتمر الرئيس"، والذي عقد في شهر حزيران (يونيو) في القدس برعاية الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز كان يرمز بشكل كبير لهذا التطور. لقد تم الترحيب بالمبعوث الخاص لأوباما دينس روس بصمت مطبق في الجلسة الافتتاحية، عندما نقل للمشاركين تحيات الرئيس أوباما، ولكن على النقيض من ذلك فقد تم الترحيب بحرارة بوزير الثقافة الصيني عندما تكلم بشكل اعتيادي عن الحاجة المتزايدة لتفاهم دولي.
إن هناك القليل من المفكرين الاستراتيجيين الإسرائيليين الذين يعتقدون أن على إسرائيل أن تقاوم بثبات لجيلين أو ثلاثة من أجل أن تصبح حقيقة لا يمكن تغييرها في المنطقة، وحقيقة واقعة شرعية ضمن النظام العالمي، وعندئذ من سوف يرغب بأن يقاطع بلدا تكون هناك حاجة في جميع أرجاء العالم لبراعته التقنية؟
في هذا السياق، فإن فكرة التسوية السلمية مع الفلسطينيين تبدو أكثر تجريدية من أي وقت مضى، مما يجعل الوضع الراهن يبدو مريحا. إن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في إسرائيل هذه الأيام تذكرنا بالبرازيل.
إن الرخاء في إسرائيل كبير للغاية، فمن تل أبيب إلى القدس يزداد عدد الشقق الفاخرة بشكل كبير، فهل نحن في سنغافورة أو هونغ كونغ أو ساو باولو؟ لماذا نتحدى ثوابت الحاضر بغموض المستقبل؟
فإسرائيل لم تصبح فقط أكثر رخاء، بل إنها أيضا أصبحت بشكل حاسم أكثر يمينية. لقد وجهت الانتفاضة الثانية ضربة قاصمة لليسار الإسرائيلي. والرأسمالية المنتصرة والحب الأعمى للأرض وسهولة الوضع الراهن هي عبارة عن "كوكتيل" يجعل الإنسان في حالة سكر، لكن الإسرائيليين الذين هم في حالة نشوة بسبب فوائد العولمة والذين ينتظرون بمشاعر مختلطة من الإثارة والقلق النظام العالمي في مرحلة مع بعد القوة الغربية، هم في واقع الأمر يرقصون على حافة البركان.
* مؤلف كتاب الجغرافيا السياسية للعاطفة
خاص بــ"الغد" بالتنسيق مع بروجيكت سنديكيت.