الشركات الكبرى: أكبر من أن تفشل أم أكبر من أن تنقذ؟!

خلال الأزمة المالية، عادت "القاعدة" التي تقول إن الشركات العملاقة "أكبر من أن تفشل" لتسيطر على سياسات وإجراءات مراكز صنع القرار في الدول الرأسمالية، فسارعت حكومات تلك الدول إلى توفير الدعم لكبرى الشركات في العديد من القطاعات لحمايتها من الإفلاس. وقد جاء ذلك خشية انتقال عدوى الانهيار إلى مؤسسات أخرى تعمل في القطاعات نفسها، أو ترتبط مع الشركات المعرضة للانهيار بشكل مباشر أو غير مباشر، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان الثقة بالاقتصاد وانتشار ظاهرة عدم التيقن وبالتالي تراجع مستويات الإنتاج وارتفاع معدلات البطالة.

اضافة اعلان

ولكن هذا النهج، الذي أرهق موازنات الدول الغنية ورفع مديونياتها إلى مستويات قياسية جُوبه بموجة عارمة من النقد، ليس فقط للسبب المذكور أعلاه، ولكن لأنه قد يبعث رسائل خاطئة من أبرزها تعزيز قناعة لدى المتعاملين في الأسواق مفادها أن كبر حجم الشركة يمثل ضمانة حكومية ضمنية لها تحميها من الفشل، وبالتالي فإن مديري الشركات الكبرى يستطيعون اتخاذ قرارات عالية المخاطر لإدراكهم أنهم رابحون في جميع الحالات؛ فإذا تحققت أرباح عالية فازوا بالمكافآت، وإذا تحققت خسائر فإن الدعم الحكومي لا محالة آت! الأمر الذي قد يخلق سلوكيات غير مسؤولة لدى هذه الشركات!

وعلى الجانب الآخر فإن هناك فريقا آخر من الاقتصاديين لا يعارضون هذا النهج على إطلاقه، ولكنهم يطالبون بتعريف محدد للشركة الكبرى، ويذهبون إلى القول أن معيار الحجم، أو قيمة الموجودات، وحده يعتبر معياراً مضللاً، وأن المعيار الأنسب هو مدى الأثر الذي قد يتركه انهيار الشركة على القطاع الذي تعمل فيه، ومن ثم على الاقتصاد بشكل عام، وهو ما يطلق عليه تعبير "الخطر النظامي". ويقبل هؤلاء بدعم الشركات التي قد يشكل انهيارها خطراً نظامياً شريطة اتخاذ إجراءات رادعة بحق الإدارات التي تسببت في خلق المشكلة قد تصل إلى حل مجالس الإدارة، وتغيير الإدارات التنفيذية العليا، وتعيين مراقبين أو قيّمين من قبل الحكومة للإشراف على نشاطات هذه الشركات.

وفي الوقت الذي أنقذت فيه الحكومات الغربية عشرات من الشركات الكبرى، فقد تركت مئات، بل آلاف الشركات الصغيرة تواجه مصيرها وتخرج من السوق. وهذا ما دفع البعض إلى توجيه انتقاد آخر لهذا التوجه بسبب تمييزه بين الشركات الصغيرة والكبيرة، مع ما يتركه ذلك من تشوهات في الأسواق.

وعلى النقيض من ذلك فإن دولاً أخرى، مثل الصين، تعارض هذا النهج علانية رغم الفوائض المالية التي تتمتع بها! أما معظم الدول النامية فلم تطبق هذا النهج ليس لعدم إيمانها به بالضرورة، وإنما بسبب عدم قدرتها المالية في ضوء توسع عجوزاتها وتضخم مديونياتها.

وفي الوقت الذي لا نعارض فيه هذا التوجه، عند توفر الإمكانات لدى الحكومة، فإننا نؤكد ضرورة اقتصار ذلك على الشركات التي قد يشكل انهيارها خطراً نظامياً فعلياًً على الاقتصاد، على أن يرافق ذلك إجراءات صارمة بحق إدارات تلك الشركات على غرار ما سبق وذكرنا آنفاً.  

[email protected]