الغرباء يصنعون الفارق

بعد أن اقتنص الميلان نقطة ولا أثمن من مضيفه البرشا في الكامب نو، أطلق المدرب أليغري تصريحا قصيرا مرّ بدون صخب أو ردود أفعال على أعمدة الصحف الأوروبية بالذات.. قال:"العولمة هي الضامن لتطور الكرة.. انظروا إلى صفوف الميلان في السنوات الأخيرة.. قليلا ما تجدون لاعبين من المنتخب الايطالي في صفوفه.. الأمر يشمل بنسب متفاوتة، أندية كبرى مثل ريال مدريد وبرشلونة والانتر ومانشستر يونايتد وغيرها".اضافة اعلان
أما الكسندر باتو، الفتى البرازيلي الذي يجري مثل الرهوان في الملعب، وصاحب هدف الأربع والعشرين ثانية في شباك النادي الكتالوني ليكون خامس أسرع الأهداف في تاريخ دوري الأبطال.. فقد استذكر أيامه الأولى في الميلان، وأعلن بصريح العبارة أنه لم يكن يحلم بكل هذه النجوم التي تتراقص من حوله، كي ترصف له الطريق نحو أول انطلاقة رائعة في الكالتشيو الايطالي مع الميلان، وهو يلاعب نابولي مطلع العام 2008، حين شعرت النجوم التي أحاطت بباتو منذ مقدمه من انترناسيونال البرازيلي، بأنه يدّخر لعالم الكرة الساحر ما كان يدّخره يوماً لاعب من طراز مارادونا أو رونالدو أو كاكا.. فمنذ اللحظة الأولى التي وثب فيها باتو إلى الميدان، تكشّفت للناس ملامح نجم آخر يضاف إلى تلك الكتيبة المتوهجة التي يضمها الميلان من نجوم الكرة العالمية ومنها البرازيلية تحديدا، بالإضافة إلى ما يضمه من أسماء محلية كبيرة.
مثل هذا الحدث الكروي الذي تبعته انعطافات مهمة في النجومية الكروية العالمية، يثير في النفس سؤالاً عمّا إذا كانت العولمة التي تجتاح تركيبة العلاقات الدولية في هذه المعمورة، هي التي تفضي إلى هذا الاتساع لمعنى الكرة في قلوب الناس، أم أن الساحرة المستديرة هي التي سبقت أي ميدان حياتي آخر فأوجدت عولمتها الذاتية بلغتها الرياضية المبسطة، حتى قبل أن تنال "العولمة" هذه التسمية التي نتناولها الآن.. والكثيرون يميلون إلى الشق الثاني من الإجابة وأنا منهم، فلقد عرفت الكرة الاحتراف، وعرفت انتشار النجوم في مشارق الأرض ومغاربها حتى قبل أن تتبلور المفاهيم الأخرى التي تتحدث عن النسيج العالمي الواحد الذي يكمل بعضه بعضا.
لكن العولمة في الكرة ما تزال تقوم على أساس الاختلاف الجوهري في وظيفة كل طرف، فقد تخصصت أميركا اللاتينية في توريد النجوم، فيما استرخت أوروبا لهذه الظاهرة وراحت تحقق الفائدة القصوى من النجوم الصغار والكبار على حد سواء بدون أن يكون لها الدور المماثل في تصدير نجومها إلى ساحة أو قارة أخرى إلا في حالات محدودة.. وهذا -بالطبع- يعود إلى غنى الموارد البشرية وشح الموارد المالية لدى أميركا اللاتينية، وما يقابله من توافر السيولة لدى الأوربيين وعلى النحو الذي يفرض عليهم الركون إلى مواهب الآخرين لاستجلابها والتخصص في هذا الأمر.
 تخيلوا أن أندية إيطاليا الكبرى، بكل هيلمانها الكروي تسلم مقادير اللعب والنجاح للغرباء.. حتى بلغ الأمر أن بطل الدوري الايطالي الميلان أو غريمه اللدود الإنتر يخوضان كثيرا من المباريات بتشكيلة أجنبية منزوعة تماما من اللاعبين الطليان ويغلب عليها العنصر البرازيلي أو الأرجنتيني.
 أما السؤال الذي في وسع كل من مرت عليه نسائم الأداء اللاتيني الإجابة عنه بكل اقتدار، فهو: ماذا كان بوسع الميلان أو الإنتر أو أندية أوروبية كثيرة أن تفعل بدون "نعمة" هذه المواهب التي تفيض سحرا في الملاعب، وتمسك بمشاعرنا وأحاسيسنا، وتعيدنا على الدوام إلى أيام النجومية الحقيقية خلال أزمنة مضت؟.

[email protected]