المرأة الخانعة، الطّوباوية.. والثائرة

 

على الرّغم من الأشواط الهائلة التي قطعتها المرأة العربية على طريق تحرّرها في العقود الأخيرة، إلاّ أنّها لم تستطع أن تُحقّق من النّتائج ما يمكن أن يوازي الجهد المبذول. لقد بقيت تلك المرأة أسيرة المرارة والإحباط، وتعاني الأمرّين على صعيد المطالبة بحقوقها المشروعة.

اضافة اعلان

على العكس من ذلك، فإنّنا نجد هناك شيئاً من النّكوص في بعض الجوانب، الأمر الذي يلقي بظلال من الشّكّ على مجمل تلك الحركة المقصوفة المسمّاة بحركة تحرير المرأة.

ما الذي حدث إذن؟ ولماذا بقيت تلك المراوحة في المكان؟

أواخر الأربعينيّات وأوائل الخمسينيّات من القرن الماضي، أنجزت معظم البلدان العربية استقلالها، ودخلت حقبة جديدة من البناء والتّطوّر خصوصا على صعيد التّعليم. لقد تمّ خلال هذه الحقبة التّوسّع في العمليّة التّعليميّة ببناء أعداد هائلة من المدارس والجامعات، أمّا على صعيد الصّحافة والإعلام وحركة التّأليف والنّشر، فقد شهدت البلاد العربية نشاطاً غير مسبوق من قبل.

كان من الطّبيعي لهذه المناخات الجديدة أن تنعكس بالإيجاب على الوضع العام للمرأة العربية، وأن تنتقل بها من ظروف القمع والاضطهاد إلى أجواء الحرّيّة، لكنّ الذي حدث لم يكن مبشّراً، أو لنقل كان مخيّباً للآمال والتّوقّعات، فبدل أن تحصل المرأة على حقوقها الطّبيعية ظلّت مقصاة ومهمّشة ومجرّد تابعة خانعة للرّجل السّيّد!!

ما الذي يعنيه كلّ ذلك التّطوّر الذي حقّقناه، أمام ظاهرة مرعبة ما تزال تتكرّر بين وقت وآخر وتدمغ حياتنا بالتّخلّف الشّديد، وأعني بها ظاهرة قتل المرأة تحت ذريعة غسل الشّرف؟

ما الذي يعنيه أن تتكرّر ظاهرة أخرى لا تقلّ مأساوية عن الظاهرة السّابقة، وأين؟ في بلد عريق مثل مصر، وأعني بها هنا ظاهرة التّحرّش الجنسي الجماعي بالنّساء التي وقعت في الشّوارع والسّاحات العامة في مدينة القاهرة. إنّ استمرار وجود هذه الظّواهر وغيرها في المجتمعات العربية إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على مقدار الانحطاط الذي بلغته الحياة العربية وعلى الدّرك الأسفل الذي أُلقيَت فيه المرأة.

خلال العقود الماضية لم تتوقّف المرأة العربية عن المطالبة بحقوقها، وعلى رأس تلك الحقوق حقّها في المساواة مع الرّجل. ومن أجل ذلك انخرطت النساء في حركة نضالية عريضة تمثّلت بإنشاء مئات بل آلاف الجمعيّات والمنتديات والمراكز التي راحت تعمل بدأب من أجل إنجاز المهمّة، وتخفيف معاناة المرأة، غير أنّ تلك الحركة وقعت ومنذ البداية في خطأ استراتيجي حين أخذت تعمل منفردة بمعزل عن جهود الرّجل، وحين قامت باستبدال معركتها الأساسيّة مع السّلطات الاجتماعية السّياسية والدّينية السّائدة بمعركة مع هذا الرّجل بالمطلق. لقد نسيت تلك الحركة أنّ كلا الجانبين الرجل والمرأة مطحونان تحت العجلة الواحدة إيّاها، ويتطلّعان إلى الخلاص من سلطة القمع التي تكبّلهما معاً. وللأسف فهناك عاملان ساهما في تعزيز مثل هذه النّظرة الطّوباوية لطبيعة الصّراع الذي تخوضه المرأة. العامل الأول: وتمثّل بالأفكار الجنسويّة المستوردة من الغرب على وجه التّحديد، والتي تميّز بين الرّجل والمرأة بناء على الجنس. العامل الثاني: ويتمثّل بالرّؤى التي تقترحها منظّمات التّمويل الأجنبي والتي تدور في الغالب حول قضيّة (تمكين المرأة) التي هي بمثابة ستار لأذرع هذا الإخطبوط الذي بدأ ينخر مجتمعاتنا العربية من أجل الوصول إلى تحقيق بعض الأهداف المشبوهة.

في النهاية، لا بدّ من الإشارة إلى نموذج المرأة الثائرة، باعتباره بديلاً للنماذج الخانعة والطّوباوية، ويقدّم لنا طرازاً خاصّاً من النساء العربيات المناضلات اللواتي أخذن على عاتقهن حمل راية التّغيير من خلال الانخراط المباشر في الثورة، أمثال جميلة بوحيرد من الجزائر ودلال المغربي من فلسطين وسناء محيدلي من لبنان. تلك المناضلات عرفن كيف يدرن المعركة، وكيف يحدّدن أهدافهنّ بدقّة.

[email protected]