المواطن متهم حتى يثبت العكس؟

ما سيلي تجربة شخصية، لكنها حدثت وتحدث مع الكثيرين؛ فقد تحدث لي عنها أكثر من صديق وقعوا في المشكلة نفسها، من دون أن يكون هناك أي حلول منطقية لها. وأتحدث هنا عن الشركات التي تزود البنوك بأسماء الأشخاص المحكومين في قضايا لغاية التحقق منهم قبل التعامل معهم بنكيا. وما تقوم به هذه الشركات هو تجميع إعلانات التبليغ المنشورة في الصحف ووضعها في قاعدة بيانات وبيعها للبنوك.اضافة اعلان
المشكلة لها أكثر من جانب. أحدها، أن هناك قضايا قديمة تمت تسويتها بين الأطراف، لكن لا يتم ذكر ذلك في قاعدة البيانات التي تبيعها هذه الشركات للبنوك، فيظل اسم العميل ظاهرا وكأنه محكوم في قضية، وعليه ان يثبت العكس من خلال إحضار مشروحات تفيد بتسوية القضية قبل الحكم بها. ومع ذلك، أخبرني البعض أن هذه المشروحات لم تشفع لهم في إتمام معاملاتهم مع البنك، فتم وضعهم فعلا على قائمة الممنوعين من الحصول على أي تسهيلات بنكية.
الجانب الآخر يتعلق بتشابه الأسماء. وهو ما حصل معي شخصيا. إذ فاجأني البنك بأن اسمي وارد في قاعدة المعلومات، وبالفعل تم تزويدي بأرقام القضايا وتمكنت بعد جهد جهيد من إحضار كتاب من المحكمة يفيد بأنني لست الشخص المطلوب. والمصيبة أن قاعدة البيانات التي تعتمد على الإعلانات القضائية لا تحتوي إلا على رقم القضية والاسم؛ أي أنها لا تحتوي على الرقم الوطني الذي يفترض أنه أساس التفريق بين الأسماء المتشابهة. وهنا يدخل المواطن في سلسلة إجراءات معقدة ليثبت انه ليس الشخص المعني.
واستمرارا للحكاية، فقد أخبرني البنك أيضا بوجود اسمي في قضية أخرى، وعند المتابعة تبين أن معلومات المدعى عليه في ملف القضية غير مكتملة؛ فلا ذكر لرقمه الوطني ولا اسم والدته ولا تاريخ ميلاده، ولا يحتوي الملف على أي معلومات يمكن الاستناد اليها. وعليه، تم إبلاغي أن مسؤولية إثبات أنني لست المدعى عليه تقع على عاتقي، وأن علي إحضار المدعي أو محاميه للتأكيد أمام القاضي أنني لست الشخص المعني. وطبعا، ستظل الأمور معلقة حتى أتمكن من أحضار الأشخاص المعنيين.
هنا من حقنا كمواطنين أن نضع ألف علامة استفهام. أولاها، على هذه الشركات التي تقوم بتجميع البيانات، ومن الذي يعطيها الحق في تزويد البنوك بمعلومات غير مكتملة قد تؤدي إلى إيقاع الضرر بالمواطنين. فالأصل أن تكون المعلومة مكتملة واضحة وغير ملتبسة، حتى يتم اتخاذ القرار بناء عليها. أما علامة الاستفهام الثانية، فنضعها على إعلانات القضايا التي يتم نشرها في الصحف ولا تحتوي المعلومات الكاملة أيضا، وهو ما قد يعود بالضرر على الأشخاص الذين تتشابه أسماؤهم مع أسماء المدعى عليهم، وإدخالهم في دوامة معقدة من الإجراءات لإثبات شيء لا علاقة لهم به من بعيد أو قريب. وأخيرا، كيف يمكن أن يصدر حكم على شخص من دون أن تكون معلوماته مكتملة في ملف القضية؟
أضع هذه الأسئلة على طاولة معالي رئيس المجلس القضائي هشام التل، وأمام لجنة إصلاح القضاء التي تم تشكيلها مؤخرا برئاسة دولة زيد الرفاعي وعضوية عدد من وزراء العدل السابقين والخبراء في الشأن القانوني.