النصيرية السياسية: طريقة السيد حافظ الأسد

يخشى المفكرون والكتّاب، بحث وتحليل الحقائق التي تدين النظام السوري، من البعد الطائفي الأيديولوجي، باعتبار أن 12 % تقريبا من المكون الديموغرافي السوري، ينتمون إلى الطائفة العلوية، مع أن الجميع يعلم، أن نسبة كبيرة من العلويين، يرفضون القمع والتنكيل الذي بدأه النظام السوري منذ تولي حافظ الأسد السلطة، والذي استمر بلا انقطاع، حتى هذه اللحظة، وأن قسما كبيرا منهم، ومنذ عقود مضت، قد اختار الوقوف إلى الجانب الإنساني والوطني، سواء في ظاهر القول أو الفعل، أو في باطنه تجنبا وتقية من النظام وشره ودمويته.اضافة اعلان
الخوف من تحول النزاع الحالي، ليصبح طائفيا محضاً، يمنع الكثيرون من تخصيص بحث يوضح أن العلوية السياسية، والتي يمكن تسميتها هنا بـ "النُصيرية السياسية"، هي نهج غامض سري وسياق مختلف مستقل يتبع "طريقة طائفية سياسية" ابتكرها "السيد" حافظ الأسد، ذاك الفتى الفقير الذي انضم إلى حزب البعث في العام 1946 واجتهد ليصبح رئيسًا لاتحاد الطلبة في سورية، واختار أن يُخفي شجونه الأيدولوجية السياسية في عباءة بعثية قومية حتى تخرّج من الكلية الجوية برتبة ملازم طيار في العام 1955.
يبدو أن المشكلة الكبرى التي واجهت حافظ، في تلك الأثناء، الاستمرار في إخفاء طموحاته الدينية السياسية أمام القوميين العرب السنة، الذين وضعوا التضامن الوطني فوق البيعة الدينية، وكان البعث بالنسبة لهم اتجاها وطنيا فكريا تحرريا نقيا في مواجهة الاستعمار والمؤامرات، فاضطر السيد النصيري الأسد، الذي امتلأ قلبه حقدا على الجميع، لتشكيل خلايا خاصة ضيقة، والتحرك بحذر بالغ، حتى أقنع النخبة في مجموعاته الصغيرة بتشكيل اللجنة العسكرية في العام  1960، والانقلاب مع "صلاح جديد"، العلوي البعثي القومي، على القيادة القومية لحزب البعث في العام 1966، وراح يرسم لمجموعته في الجيش والسلطة والحزب خطته الطائفية السياسية التي يحلم بها، ولكن حرب حزيران في العام 1967 كادت أن تكشف نواياه وقلبه وطريقته، فقد انتقده وعنّفه "جديد" بشدة، لتأخره ومماطلته، غير المفهومة في إرسال  سلاح الجو السوري، لدعم سلاح الجو الأردني ومساندته في تلك الحرب، وأصبحت خطته و"طريقته" مهددة بالضياع، حين تبين لـ "جديد" رفض "الأسد"، وبشكل قطعي وحاد، خوض حرب طويلة مع إسرائيل، لكن "السيد الأسد" لملم أحلامه وطريقته بسرعة وانقلب على "صلاح جديد" نفسه وعلى رئيس الجمهورية  "نور الدين الأتاسي" وسجنهما في 16 تشرين الثاني "نوفمبر" العام  1970، معتمدا على تطمينات موثقة "أن إسرائيل لا تنوي مهاجمة النظام السوري وأنها ستفتح الآفاق العربية أمام الثورية البعثية وأن إسرائيل بلد اشتراكي يعطف على التجربة الاشتراكية البعثية وخاصة العلوية"، كما ذكر سعد جمعة في كتابه "المؤامرة ومعركة المصير"، فتربع السيد الأسد على كرسي سورية، ليحقق حلما أكبر من حلمه الذي قضى عليه الشيخ صالح العلي، قائد الثورة السورية ضد الفرنسيين في جبال اللاذقية، حين عرض عليه الفرنسيون، دولة علوية مستقلة،  فقد أصبح هذا الفتى، بطريقة غامضة وعجيبة، رئيسا لكل سورية، ووضع مع نخبة نصيرية حاكمة، تتوافق معه ظاهرا وباطنا، نظاما محكما، يصعب اختراقه، في وصفة سياسية أيدولوجية سرية، تتيح له ولهم، البقاء في الظاهر وطنيين بعثيين علمانيين، وفي الباطن "نصيريين سياسيين" يحاربون الإسلام والطوائف والملل الأخرى، ومنها أيضا، بعض العلويين الذين لا يتفقون مع نهجهم الطائفي السياسي، وأقام سردابه السري، ليمارس فيه"طريقته"، في قلعة بنى حولها أسوارا عالية شائكة: إيران روسيا إسرائيل، ولغاية ذكية في نفسه، لم يرفع سوره الرابع في وجه العروبة بل جعله بوابة افتراضية وهمية يُطل منها على شعبه باسم البعث العربي الاشتراكي.
يحتاج المؤرخون، إلى تفاصيل أكثر، لفهم طبيعة الطريقة "النُصيرية السياسية" التي ابتكرها السيد حافظ الأسد، والتي جعلها غامضة وسرية يصعب تفكيكها، أو النظر في كنهها وطبيعتها، فدفنت معه، لكن يدها الحية الملطخة بالدماء، ما تزال تسيطر وتتحرك وتهدد وتتآمر وتقتل من غير وازع ولا ضمير.

[email protected]