تأجيل الانتخابات

تابعنا خلال الأيام الماضية، وخاصة على صفحات التواصل الاجتماعي، حديثا لا أساس واقعيا له حول تأجيل الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في العشرين من أيلول (سبتمبر) المقبل. وقد سارع رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب إلى نفي ذلك مباشرة. وعلينا إدراك أن الدستور يلزم بإجراء الانتخابات النيابية في موعد أقصاه أربعة أشهر من تاريخ حل مجلس النواب، وإذا لم تجر هذه الانتخابات يعود المجلس المنحل للانعقاد. وهذا يعني بالتأكيد أنه لا يمكن تأجيل هذه الانتخابات.اضافة اعلان
لكن هذا الحديث عن التأجيل لا علاقة له بالفترات الدستورية، ولا حتى بقدرة "الهيئة" على إدارة العملية الانتخابية. فأساس هذا الحديث، كما يتضح لأي متابع، هو تلك الفوضى الحاصلة في تشكيل القوائم الانتخابية. إذ حتى الآن، فإن أغلب من أعلنوا نيتهم الترشح للانتخابات لم يتمكنوا من الاتفاق على تشكيل قوائم واضحة المعالم، كما ما يزال الكثيرون منهم يبحثون عن قائمة ينضمون إليها، في ظل إصرار البعض على التعامل مع القانون بعقلية "الصوت الواحد" القديمة، وعدم قدرة الأحزاب على فعل ما يفترض أن تفعله، وهو تشكيل قوائم انتخابية.
نعلم جيدا أن قانون الانتخاب جديد نوعا ما، وأن إرث الفردية التي سيطرت على حياتنا السياسية بسبب قانون "الصوت الواحد"، ما يزال يمنع الكثيرين من التفكير بشكل جماعي؛ فما تزال عقلية الترشح الفردي هي الطاغية عند الكثيرين، وما تزال فكرة الزعامة مسيطرة على عقول عدد لا بأس به من المرشحين المحتملين.
كما نعلم أيضا أن هناك عدم ثقة بين المرشحين فيما يتعلق بتبادل الأصوات أو حجبها داخل القائمة الواحدة. وهذا التخوف هو نتيجة غياب برامج سياسية مشتركة وأرضيات يمكن لمرشحين من الاتجاه نفسه أن يقفوا عليها سويا. بل إن الأمر يصبح غريبا عندما يكون هذا التخوف موجودا لدى مرشحين حزبيين يفترض أن لديهم برامج مشتركة، على الأقل في إطارها العام.
بكل الأحوال، لا يمكن أن نؤجل الانتخابات لأن من ينوون الترشح لم يحسموا أمورهم فيما يتعلق بتشكيل القوائم الانتخابية. فالمشكلة ليست في موعد الانتخاب، وليست كذلك في آلية التشكيل التي نص عليها القانون؛ بل المشكلة -بكل صراحة- تكمن في ممارسات الأشخاص والعقلية الفردية التي تسيطر عليهم، والتي تمنعهم من التحالف على أساس برامجي.
قلنا سابقا إننا قد لا نرى التغيير المطلوب في هذه الدورة الانتخابية. ويبدو فعلا أن الأمر أصعب مما كنا نتوقع. مع ذلك، علينا جميعا المضي قدما في هذه التجربة، لترسيخ فكرة العمل السياسي الجماعي القائم على مبدأ التحالفات البرامجية والسياسية. وحتى لو لم نر في هذه الدورة الانتخابية قوائم برامجية، فإننا لا بد وأن نراها في الدورة التالية، شريطة أن يتم إصلاح باقي المنظومة التشريعية ذات العلاقة بالعمل السياسي، وعلى رأس ذلك النظام الداخلي لمجلس النواب، بما يسمح بتشكيل كتل حقيقية وفاعلة تحت القبة.