ثورتنا نهضة

كانت ثورةً ونهضةً في آن.
ثورةٌ على ظلم الأتراك، وقمعهم، وسعيهم طمس الثقافة العربية وتقزيم العرب إلى تابعٍ لا قول لهم ولا دور.
ونهضةٌ أرادت حرّية العرب ووحدتهم في دولةٍ حديثةٍ مستنيرة، تعظّم قيم العدالة والمساواة والمواطنة، وتحتفل بالهويّة العربيّة الجامعة.اضافة اعلان
أطلق الشريف الحسين بن علي الثورة العربيّة الكبرى حركةً تحرريةً نهضويةً تكسر عتمة الاستعمار التركي وتضيء فضاء المستقبل العربي بالوحدة والاستنارة والبناء.
وخلفه سارت كلّ قيادات المشرق العربي آنذاك. فالظلم كان وصل مداه. ووعْد الهاشميّين كان حلم جميع القوى العربيّة التي تأطّرت رفضاً للقمع والقهر. هبّوا حمايةً للغتهم ولهويّتهم، ووفاءً لدماء شهدائهم الذين قضوا في الحملات العسكريّة الغادرة، والذين عُلّقت مشانقهم في دمشق. ساروا تحت راية الثورة عرباً لا تفرّقهم طائفةٌ أو مذهبٌ أو انتماءٌ مناطقي.
أفشلت الدول الأوروبيّة وقتذاك حلم العرب وسرقت تضحياتهم. وخانت أنظمةٌ عربيةٌ قامت بعد الاستقلال من الاستعمار الأوروبي حقوق شعوبها. وبدلاً من قيام الدولة العربيّة المتّحدة المستنيرة، تشرذم المشرق العربي، حيث رفعت الثورة العربيّة ظلم الأتراك، دولاً عديدة. ضاعت فلسطين، وانتهى حكم الأنظمة المستبدّة في العراق وسورية إلى الانهيار والانقسام والفوضى التي أحالتهما أرضاً للموت.
لكنّ الأردن ظلّ وفيّاً لمبادئ نهضة العرب. وإذ تخفق رايات الثورة العربيّة الكبرى في سمائه احتفالاً بمئويتها، فهي ترتفع شاهداً على تضحيات وطن، وتصدَع صرخة فخرٍ بإنجازات المملكة وإرثها النهضويّ المستنير.
الاحتفال بمئويّة النهضة هو احتفاءٌ بتاريخ الأردن الحديث. هو تأكيدٌ على قيمها النهضويّة التي جسّدها الأردن عملاً وكفاحاً ونضالاً ليبقى وطن النور والأمن والأمان.
صحيحّ أنّ في الأردن فقرٌا وبطالة. وعلى حدوده فوضى وإرهاب. وأمامه مسيرةٌ طويلةٌ من التحديث والإصلاح وتحدّيات معالجة قصورات وإخفاقات. لكنّه يبقى قصّة فخرٍ عزّت، وهو الذي صمد وأنجز وثبت مملكةً قويةً، تستقي من إرثها النهضوي وهي تراكم النجاحات وتتجاوز الصعوبات.
في الوقت الذي يقتل فيه العربيُّ العربيَّ، وتتفكّك المجتمعات العربيّة طوائف ومذاهب، وتغرق في الهويّات الضيّقة، يحتفل الأردن بثورة العرب الكبرى رسالةً أنّ قيمها ومبادئها الجامعة هويةٌ له صاغت ماضيه وترسم مستقبله.
وفي زمن الانهيار الحضاريّ العربيّ، ثمة حاجةٌ ماسةٌ لقولٍ مستنيرٍ جامعٍ يعظّم قيم المساواة والعدالة والمواطنة. ساد هذا القول عالم العرب قبل مئة عام، فجمع العرب حول رؤيةٍ وحدويةٍ إنسانيّة. ضروريٌّ أن يعاد تقديم ذاك الخطاب اليوم.
الثورة العربية لم تكن يوماً بالنسبة للأردن مناسبةً احتفاليّة تنتهي بختام مراسم إحيائها الرسميّة. ظلت قيمها نبراساً أنار سنوات البناء بحلوها ومرّها. وإذ تحلّ مئويّتها على عالم عربيّ يشكل الانهيار القيميّ أحد أكبر معضلاته، يجب أن يكون استذكارها استمراراً في تكريس قيم النهضة، إصلاحاً وتحديثاً وتكريساً للهويّة الجامعة ولمبادئ العدالة والمواطنة والمساواة في الثقافة الجمعيّة وفي القوانين والممارسات.
ثبت الأردن وفيّاً للماضي وتضحياته. وهو إذ يحتفل بمئويّة النهضة، فهو يؤكد التزامه المستقبل المشرق الذي أرادت.
كلّ عامٍ والأردن وشعبه وملكه بألف خير.