"داعش" يتفرق

تزايد العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم "داعش" مؤخرا، هو دليل واضح على المأزق الذي يعيشه التنظيم نتيجة تعرضه لخسائر وانتكاسات عسكرية وتنظيمية في المواقع التي يسيطر عليها والتي تم طرده منها، نتيجة الجهود العسكرية المختلفة. اضافة اعلان
فالتنظيم الذي يجد نفسه الآن بين فكي كماشة في سورية والعراق، يبحث عن فتح ثغرات تخفف الضغط الكبير الواقع عليه، وذلك من خلال تنفيذ عمليات إرهابية دموية في مناطق لا تخضع لسيطرته، كما حدث على حدود الأردن في منطقة "الركبان"، وفي مطار اسطنبول مؤخرا، وفي بلدة القاع اللبنانية؛ حيث يحاول "داعش" التخفيف عن نفسه والظهور بمظهر التنظيم القوي القادر على الوصول إلى أعدائه في أماكن وأزمنة متفرقة.
حقيقة الأمر أن "داعش" يعاني على مستويين. الأول، هو المستوى العسكري؛ إذ تلقى التنظيم ضربات موجعة على أرض المعركة في العراق وسورية، إضافة إلى الضربات الجوية التي يوجهها له التحالف الدولي. وهذه الضربات أدت إلى أن يفقد التنظيم سيطرته على أراض كان يحكمها، وخسارته لعدد ليس بالقليل من المقاتلين والمعدات الحربية. ولذلك يحاول إثبات أنه ما يزال قوة يحسب لها حساب من خلال هذا النوع من العمليات.
المستوى الثاني، مرتبط بهيكلة "داعش" وتنظيمه الداخلي، والذي بات من الواضح تعرضه لتصدعات كبيرة، خاصة مع مقتل أو هروب عدد من قياداته في المناطق المختلفة، إضافة إلى هروب جماعي لأعداد من مقاتليه أو استسلامهم أو مقتلهم في العمليات العسكرية. يضاف إلى ذلك عدم وضوح مصير قيادات عالية المستوى، منهم البغدادي، ما يؤثر على ولاء المقاتلين على الأرض الذين لا يعرفون الآن إن كانت قياداتهم ما تزال فعلا موجودة أو تمت تصفيتها.
في المراحل الأخيرة من عمر أي تنظيم إرهابي، لا بد أن تزداد وحشيته ويتحول من جهة تقوم بتنفيذ عمليات مخطط لها، إلى تنظيم مبعثر يقوم بتنفيذ عمليات عشوائية لامركزية. وهذا تماما ما حصل مع تنظيم "القاعدة" الذي كان يسيطر على أفغانستان، ومن ثم غير تكتيكه بعد أن تعرض لضربات موجعة؛ إذ تحول من تنظيم مركزي إلى شبكة غير مركزية وغير مترابطة. وتكرر الأمر نفسه مع تنظيم "دولة العراق الإسلامية"، خاصة بعد مقتل زعيمه أبو مصعب الزرقاوي؛ إذ تحول من تنظيم متماسك إلى مجموعات متفرقة تقوم بأعمال إرهابية غير مترابطة.
إذن، نحن أمام حالة تسبق حالة الانهيار. والمطلوب الآن تكثيف الضغط العسكري على هذا التنظيم الإرهابي، من دون إهمال احتمالية وقوع هجمات متفرقة هنا أو هناك. كما لا ننسى ضرورة التعامل الذكي مع عناصر التنظيم الفارين من أرض المعركة، بحيث يتم الاستفادة من هروبهم لإظهار انهيار التنظيم أمام حواضنه الشعبية، بما يؤدي إلى فقدان الثقة بقدراته وبالتالي التخلي عنه وعن حمايته أو مده بيد العون ممن يتعاطفون معه أو يخافون منه.