دفاعا عن لقمة العيش

سأضم صوتي إلى صوت الزميلين سلامة الدرعاوي وجمانة غنيمات في الوقوف في وجه أي محاولات لجعل لجنة الحوار الاقتصادي وسيلة لتبرير وتمرير قرارات حكومية متوقعة لرفع وزيادة أسعار المحروقات والكهرباء، ولأي محاولة وتلميحات حول رفع الدعم عن المواد الأساسية. كذلك فإنني لا أثق، ولأول مرة، بتصريحات الزميل طاهر العدوان، الثورجي القديم، الذي أعلن منذ مدة أن قانون "من أين لك هذا" سيصدر قريبا، ولم نر شيئا، وعاد بالأمس القريب ليؤكد أنه لا نية لدى الحكومة برفع هذا الدعم، والذي سيعني، بلا شك، أن قرار رفع الدعم قد أصبح جاهزا ومعدا، وينتظر غطاء محكما أو قضية عامة جديدة، ليتم تمريره بهدوء، للشعب المنهك، أو هي محاكاة للترويج لحلول قديمة ارتجالية، قصيرة المدى، تضع القرار بين الشعب وكرامته. اضافة اعلان
لا أدري كيف عادت مشاهد العام 1996 إلى الذاكرة، حين بدأت حكومة عبدالكريم الكباريتي آنذاك، بمثل هذه الإجراءات والتلميحات، ثم تسببت في ثورة بيضاء أنهكت الشعب، واقترحوا حينها أن يتم رفع سعر كيلو الخبز من 8 قروش للكيلو إلى 45 قرشا. وبعد ثورة الجنوب عادوا لتخفيضها إلى 25 قرشا. أما الأسر التي تستهلك من 4-5 كيلو من الخبز يوميا، فقد تحولت فجأة من طبقة متوسطة إلى طبقة فقيرة مسحوقة، وما تزال كذلك.
قوت الناس ليس في منطقة المفاوضات، ولا يحق لأحد أن يتخذ قرارا يتعلق بأسعار المواد الأساسية التي تقلب المعادلة، المنقلبة أصلا عدة مرات، ويتسبب في زيادة الطبقة الفقيرة على حساب الطبقة المتوسطة التي كادت تتلاشى. وأما الحديث عن الحلول، فهو ليس من شأن الإعلام أو المعارضة، فالذي يتشبث بالسلطة، وصاحب الولاية، هو المكلف بإيجاد الحلول، وإيجاد البدائل الناجعة. ومع ذلك، فإن أي بدائل يمكن تقديمها، يجب أن لا تكون ارتجالية أو تستند إلى رهن كرامة الشعب في المنح والمساعدات، بل تكون حلولا استراتيجية، طويلة المدى، تحفظ أمن الطاقة والمياه والأمن الغذائي، وعليها التفكير خارج الإطار التقليدي، ويكون ذلك، هو الهدف الرئيسي والأساسي والنهائي، الذي تلتئم له لجنة الحوار الاقتصادي وتعمل على تحقيقه.
لا أحد منّا يريد أن تتكرر العاصفة، للمرة الثالثة، ويثور الناس دفاعا عن لقمة العيش، فالجميع يعلم الصعوبات، ويدرك حجم المديونية، ويتابع العجز ويشاهد بأم عينه انقطاع الطاقة وارتفاع أسعار النفط، ويرى البعض أن الاعتصامات ومظاهر الاحتجاج الأخرى تعطل العمل وتحاصر الحلول، ولكن البعض الآخر يراها وسيلة ضغط لإيجاد البدائل، أو تغيير الوجوه التي تولت الأمر، لسنين طويلة، فتسببت في الوضع الراهن وهي المسؤولة عنه، وابتعادها عن مركز القرار، وإعطاء فرصة للعقول النيرة والدماء الشابة الخبيرة، هو الحل الوحيد.