ستة ملايين محلل كروي

الأيام الثلاثة التي أعقبت خسارة منتخبنا الوطني أمام العراق، تحول فيها الأردنيون جميعا إلى خبراء ومحللين لكرة القدم، بمختلف الأعمار والأعمال والمهن. اضافة اعلان
فأينما تذهب، تستمع إلى أشخاص يتحدثون عن المباراة ويحللونها بشكل دقيق، فهناك قائد للنقاش يشبه إلى حد بعيد مقدم الاستوديو التحليلي في القنوات الفضائية، ويحاول توزيع الحديث بين المحللين الذين اتخذوا صفا واحدا ناقدا للمنتخب ولاعبيه ومدربيه، ولم يكن هناك طرف آخر يحاول وضع الحقائق والدفاع من خلالها عن النشامى.
في أحد المطاعم الشعبية، قال لي موظف “الكاش” إن المشكلة في اللياقة البدنية، ودليل ذلك تفوق لاعبينا في الشوط الأول، وتراجعهم في الشوط الثاني، أما في “السوبرماركت”، فعزا أحد مرتادي السوق الخسارة لضعف تكتيك المنتخب، وعدم قدرته على تغيير خطته مع تزايد ضغط المنتخب العراقي، وفي مركز العمل، كانت الحلقات أكثر تركيزا وأوسع تحليلا، فهناك من عزا الأمر إلى مشكلة في الخيارات البديلة وعدم توفر اللاعب الجاهز لتغيير الواقع والنتيجة، ومنهم من ذهب إلى ابعد من الواقع الفني، ومنهم من أشاد بالمدرب زيكو وخياراته العديدة والتغييرات التي أحدثها على خطة اللعب، مما جعل السيطرة تدين له.
هناك آلاف التحليلات التي يمكن أن تسمعها من الجمهور، وعلى الرغم من أنها تفتقد في بعض الأحيان للمنطق، ومجافاة بعضها للحقيقة، وميل الحوار إلى النواحي العاطفية المحبة للمنتخب والراغبة بشدة مشاهدة النشامى يواصلون مشوار الفوز والتفوق، إلا أنها تعكس واقعا معاشا مفاده أن الجميع بات يشارك في حوارات الكرة، ولم تعد تجد من يقول: لا تتحدثوا في هذا الموضوع فأنا لا أفهم في كرة القدم، وكل ذلك يقع في مصلحة الكرة الأردنية خاصة والرياضة بشكل أعم، حتى إن الغالبية من المتحاورين طالبوا باستمرار دعم المنتخب واللاعبين وعدم التخلي عنهم، لاسيما أن القادم أكثر صعوبة وبحاجة فعلية إلى البناء على المكتسبات ونسيان ما آلت إليه نتيجة المباراة.
الجمهور الأردني بات أكثر انفتاحا على العالم الكروي، فتركيز المحطات الفضائية وتنوع طروحاتها واستضافتها لعشرات المحللين في ستوديوهات قد تفتح في ساعات الظهيرة وتغلق ما بعد منتصف الليل، فتح قريحة المشاهدين، ونوّع من خياراتهم، وعزز من معلوماتهم وفهمهم لمجريات المباريات وتكتيكها وأداء مدربيها ولاعبيها وخططها الهجومية والدفاعية، وغير ذلك من الأسرار التي ظلت حتى فترة قريبة، مقتصرة على عدد قليل من المحللين خبراء الكرة والإعلاميين، وأعتقد أن المحطات الفضائية لو استضافت عددا من متابعي المباريات الذين اعتادوا الجلوس في المقاهي والتحاور حول الأداء المحلي والعربي والدولي، لخرجت بتحليلات جميلة وممتعة وطريفة، وتعكس ثقافة كروية عميقة.
نحيي الجمهور الأردني الكبير الذي وقف خلف النشامى، ونأمل استمرار وقوفه خلف المنتخب حتى تحقيق حلم التأهل النهائي والحضور بين كبار المونديال في البرازيل.