عكس التيار.. نحو سورية

تعلمنا من الثورات العربية الكثير، ومن غير المعقول أن تكون لدينا نماذج ثورات ناجحة كالثورة التونسية والمصرية ولا نستخلص منها الدروس العملية والفلسفية العميقة التي تتحول إلى علوم ونظريات حقيقية، تسجل في التاريخ وتدرس للأجيال المقبلة.
ثورة 25 يناير المباركة نجحت لأنها توجهت نحو هدف واحد هو تغيير النظام الفاسد، الذي تخلل أركان الدولة وراح ينخر فيها، ونجحت لأنها كانت سلمية قدر المستطاع، قادها الشباب من دون تيارات سياسية متطرفة ومن دون قيادات لها مصالح هنا وهناك، ونجحت لأنها انطلقت من العاصمة بهدوء شديد، والتفت المحافظات المصرية حول ميدان التحرير حتى عظم شأنه وأصبح قبلة للشباب الأحرار، ونجحت لأن الجيش المصري وقف في البداية على الحياد الكامل ثم تحول لحماية الثوار، حين حاول النظام المصري السابق استخدام القوة في تفريقهم، ونجحت لأن القنوات الإخبارية كان دورها محدودا وغير مؤثر مقارنة مع دورها في دول أخرى كليبيا واليمن وسورية، ومن حسن حظ الثورة آنذاك أن النظام السابق في مصر قد حاصر ذلك الإعلام غير المحايد، ومنع عنه البث، فخرجت الثورة من رحم الرغبة في التغيير والإصرار والإرادة على الخصوصية والهوية، وكذلك نجحت حين منعت التدخل الأجنبي بكافة أشكاله، بل لم تهتم لكل المحاولات الأميركية الضاغطة لكي تصبح طرفا في المعادلة، ونجحت حين أصبح معظم فئات الشعب وراءها، يدعمها بشكل مباشر أو غير مباشر، ونجحت لأنها تجاوزت الطائفية والعرقية والعقائدية وكل ما يقف حائلا بينها وبين النجاح.
في اليمن وليبيا الأمر مختلف، ولكن الاختلاف بين ما حدث في مصر ويحدث في سورية جذري، فالعاصمة دمشق والجيش خالصة بيد النظام، ويبدو أن معظم فئات الشعب السوري، وحسب استطلاع شخصي -محايد- أجريته مع مجموعة كبيرة من المثقفين والسوريين، تفضل الحال القائم وبعض الإصلاحات التي قام بها الرئيس السوري على التفرقة الطائفية ونزيف الدماء وتفضله على تدخل القنوات الإخبارية "غير المحايد" وعلى التدخل الأجنبي الذي تعلم الناس أنه سيأتي لتحقيق مصالح إقليمية له في المنطقة، كذلك تفضله على مجموعات تخريبية مسلحة، والتي ظهرت مؤخرا، فلم يعرف أحد لحساب من يعملون، ولكن السوريين يأملون، أن ينفتح النظام السوري أكثر،  لتحقيق ديمقراطية تشتمل على مؤسسات سياسية وحزبية تنهض بسورية، وانفتاح سياسي أشمل، وتقليص سطوة حزب البعث الحاكم وفساد أركانه ونفوذه، وفتح باب الحريات المغلق منذ عقود، كذلك أن يعتذر الرئيس عن الدماء التي سالت، بالفعل لا بالقول، ويحاسب كل من تورط في إراقة الدماء، حتى لو كان من المقربين.
شخصياً، اعتقلت في سورية لأسباب سياسية العام 1996، وتم منعي من دخولها منذ ذلك الوقت، ويفترض أنني من الحاقدين على النظام، أو أرجو زواله بأي صورة وأي ثمن، ولكن المسألة ليست شخصية، وليست عاطفية في الوقت ذاته، فسورية لها مكانة خاصة في قلوب الأردنيين، تاريخيا وحضاريا، كذلك فهي بوابتنا إلى أوروبا والعالم الغربي، اقتصاديا وسياسيا، عدا عن النسب الذي نشأ بين العائلات الأردنية والسورية.
هل أجدف عكس التيار؟ فليكن، فإذا لم نقرأ ونتعلم وندرك نموذجية الثورات، وأين يمكنها أن تأخذنا، وما المكاسب والخسائر التي نتوقعها، وإذا لم نقم بجرد هذا كله واتخاذ القرار الملائم، المنطقي والمعقول، يصبح كل ما نقوله ونظنه ونتأمله مجرد عواطف لا قيمة لها.

اضافة اعلان

[email protected]