فيتو مزدوج

لدينا كعرب حساسية من نوع خاص تجاه "الفيتو"، وقد أوجعنا كثيرا استخدام هذا "الحق" المشكوك في شرعيته لإحباط مشاريع قرارات دولية تنصفنا وتدين الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا. وستظل مخاوفنا قائمة طالما واصلت الولايات المتحدة وحلفاؤها تهديدنا بالبطاقة الحمراء في الملعب السياسي الدولي.اضافة اعلان
رغم ذلك، تقتضي الحنكة السياسية استثمار هذا الخلل البائن في آليات توجيه السياسة الدولية كلما كان ذلك ممكنا، والعمل على دفع "حلفائنا" في مجلس الأمن لاستخدام "الفيتو" لصالح قضايانا، أو إحراج المعسكر الآخر ودفعه لإشهار "الفيتو" ضد حقنا ما يكشف زيف ادعائه بالانحياز للعدالة، ويقضي على فرص قبوله ومصداقيته في المحيط العربي.
بهذه الرؤية نرحب بالفيتو الروسي الصيني المزدوج ضد قرار دولي يدين النظام المستبد في دمشق، لأن مضمون القرار لا يهدف لحماية الشعب السوري، بل يهيئ لاحتلال سورية، ويحدد عقوبات تندرج تحت الفصل السابع وإن لم يشر إلى ذلك مباشرة.
ينبغي ألا يقودنا الغضب والحنق على جرائم النظام وشبيحته إلى فقدان البوصلة، ويجب ألا يتورط المعارضون للقمع والظلم والاستبداد المحلي الصنع في دعم الاحتلال الأجنبي للأرض العربية، أو تسويغه وتبريره وتمهيد القبول به مهما بلغت جرائم النظام الحاكم. وربما يكون مفيدا التذكير بواقع الفلسطينيين والعراقيين (والليبيين لاحقا) تحت الاحتلال كأمثلة حية للظلم والاضطهاد وانتهاك حق الإنسان في الحياة.
القمع واحد مهما كانت هوية الجلاد، لكن التراب العربي الذي يئن تحت وطأة الطغاة وأدواتهم الإجرامية ينبغي أن يظل طاهرا وبعيدا عن بساطير الجيوش الأجنبية الغازية، وإذا قدر لهذا التراب أن يشتعل فإنه منذور لمشاعل الحرية التي يرفعها المناضلون الحقيقيون الذين يتصدون للنظام ويواجهون بصدورهم العارية رصاص الشبيحة وقذائف الدبابات التي تقتحم الرستن ولم تعرف طريقها إلى الجولان في أربعين سنة.
لا نريد عراقا آخر في سورية، ولا يرضينا هذا الاستقواء الأميركي علينا بحجة كاذبة هي الدفاع عن الشعب السوري وعن حريته، فمن يؤمن بحرية الشعب السوري لا يحجب هذه الحرية عن الشعب الفلسطيني، ولا يبتز العالم كله لإحباط خطوة سياسية تحقق الاعتراف بدولة فلسطينية، ولا تجبر الاحتلال العنصري البغيض على الانسحاب من أراضي هذه الدولة.
في مجلس الأمن كان الازدواج سيد الموقف، فقد جاء الفيتو الروسي الصيني مزدوجا، كما جاء الخطاب الأميركي الركيك مزدوجا أيضا في امتعاضه من الفيتو الذي يمنع تشريع احتلال سورية، وتهديده بالفيتو الذي يمنع تشريع استقلال فلسطين. لكن ما نعرفه نحن، ويعرفه الأميركيون أيضا أن روسيا والصين التزمتا بهذا الموقف دفاعا عن مصالحهما وليس حبا في سورية، ولعل من المنطقي أن نتساءل الآن عن سبب الغياب الروسي والصيني المخجل عن الفعل السياسي الإيجابي في مجلس الأمن والمحافل الدولية عندما يتعلق الأمر بمقاومة الشعوب العربية للاحتلال، وربما لا يكون خروجا عن النص التساؤل عن موقف موسكو وبكين لو كان في دمشق بالفعل نظام ممانعة ومقاومة!!
أمام هذه الازدواجية في المواقف الدولية، يظل المشهد السوري واضحا يتجسد بالدم الذي يسيل على أرصفة الشوارع واللحم البشري المحروق، والحناجر التي تصدح بالحرية، والعيون التي ترنو للخلاص من قهر النظام المستبد الجاثم على صدور الناس بقوة الرعب والكذب.

[email protected]