كلّما علت النبرة.. زاد خوفنا

كلّما تزايد الكلام عن إلغاء دولة إسرائيل ومحوها، كما هو الأمر راهناً، جاز لنا أن نقلق أكثر حيال احتمال إلغائنا وامّحائنا السياسيّين. ولا بأس بالتذكير ببعض التاريخ المديد لاقتران نبرتنا الراديكاليّة والتهديديّة بمصائبنا: ففي مناخ فائض الثقة الذي أطلقته الناصريّة، كانت هزيمة حزيران (يونيو) 1967 المدوّية. وفي لحظة التحام قوى "الصمود والتصدّي"، كان اجتياح بيروت وغزو لبنان في العام1982. ومع صدّام الذي بلغ به التجرّؤ حدّ ضمّ الكويت، كان احتلال العراق.

اضافة اعلان

كلّما قوي صوتنا ووعيدنا كانت الهراوة التي تنهال على رؤوسنا أكبر وأشدّ إيلاماً.

وما من سبب لافتراض أن ما ستفعله إيران، إذا ما فعلت، سيختلف نوعيّاً عمّا سبقه، لا سيّما أن صلتها بالموضوع كلّه صلة توسّل وتوظيف. وها هو نائب الرئيس رضا آغا زاده يجلو الغموض معلناً ربط الوضع اللبنانيّ واستقراره، بمدى التقدّم مع الولايات المتّحدة على جبهة الملفّ النوويّ الإيرانيّ.

كذلك، ليس من سبب لافتراض أن انتصار "حزب الله" في استرجاع الأسرى والجثامين، مقابل كلفة هائلة أنزلتها حرب العام2006 بلبنان، سيغيّر موازين التاريخ والواقع، على ما باتت تكرّر أصوات كثيرة، تلفزيونيّة وغير تلفزيونيّة، طغت الحماسة لديها طغياناً مبرماً على التعقّل.

وهذا، بالطبع، ليس خوفاً على إسرائيل التي لن نجني من تهديداتنا بإزالتها غير مزيد من العزلة، نحكم بها طوعاً على نفوسنا وبلداننا. إنه، في المقابل، من قبيل الخوف على الذات، ذاتنا، فكيف وأن الوجه الآخر لارتفاع الصوت لدينا، غالباً ما يتصاحب مع اتّضاح العجز عن مواجهة مصاعب داخليّة مباشرة ولصيقة بنا؟! هكذا نهرب إلى حلول لفظيّة في ما خصّ "معركة المصير القوميّ"، وهي مهرب لفظيّ آمن. بيد أنّنا لا نلبث بعد ذاك أن نعضّ أصابعنا ندماً، ونباشر "النقد الذاتيّ بعد الهزيمة"! وأمّا المصاعب التي نسعى للالتفاف عليها، فلا يحتاج تبيانها لما هو أكثر من استعراض سريع لأحوالنا في غزّة أو لبنان أو العراق. فهل هذه حالات صحيّة يمكن الانطلاق منها لإنجاز محو دولة إسرائيل عن الخريطة، حسب التعبير الأثير للرئيس الإيرانيّ محمود أحمدي نجاد؟ أم علينا الاتّكال على القنبلة النوويّة الإيرانيّة الموعودة التي تحيلنا جميعاً، في حال استخدامها، إلى قاع صفصف، كما تجعلنا، في حال عدم استخدامها، أسرى توازن قوى كامل الاختلال حيال طهران، فضلاً عن التوازن الكامل الاختلال إزاء تلّ أبيب؟

فيُستحسن بنا، والحال على ما هي عليه، ألاّ نغرق في شبر ماء، وألاّ نشيح بأبصارنا عن توازنات القوى الفعليّة، ليس فقط في المجال العسكريّ المباشر، بل أيضاً في جوانب الاقتصاد والمعلومات والاتّصال، وفي الانتاج الثقافيّ، ناهيك عن العلاقات الدوليّة، حيث العالم كلّه مجمع على اعتبار الدولة العبريّة ووجودها أمراً واقعاً نهائيّاً.

في هذا الإطار، يجدر بالسكرة ألاّ تؤخّر كثيراً عودة الفكرة، فلا نكرّس حالة الخدر الجماعيّ التي تصيبنا منذ إتمام صفقة المساجين والجثامين بين "حزب الله" وإسرائيل.

هنا، لا بأس بملاحظة على الهامش، تتناول الفارق بين حساسيّتنا المفرطة لاسترجاع الأسرى الذين "هناك"، مقابل نقص حساسيّتنا المفرط حيال استرجاع الأسرى الذين هم "هنا"، في سجوننا ومعتقلات "الأخوة" و"الأشقّاء". أليس في هذا قدر بعيد من ضعف تطلّبنا للديموقراطيّة والحريّة، ومن ثمّ للحداثة، كمجتمعات وثقافات، وهو ما أنتجه أساساً هذا التركيز الأحاديّ المزمن على الصراع العربيّ – الإسرائيليّ؟

إن أحاسيس وأمزجة كهذه، لا تؤهّلنا لمواجهة التحديات التي تنتهجها علاقات حياتنا اليوميّة، بل تمعن في إضعافنا وهلهلتنا. فكيف تؤهّلنا لمهمّة لا تقلّ عن إزالة إسرائيل؟