كيْ ينتصر العراق

انتهى كابوس "داعش" لأكثر من ستّة عشر ألف عراقيٍّ مكّنتهم معركة تحرير الموصل من الفرار من بلداتهم وقراهم التي خضعت لظلاميّة التنظيم العدمي لأكثر من عامين. لكنّ معاناة هؤلاء لم تنتهِ. فهم فرّوا من قهر العيش في عتمة "داعش" ليجدوا أنفسهم يعيشون إذلال الحياة في مخيّماتٍ "مؤقّتةٍ" أعدّتها الحكومة العراقيّة وبعض المنظّمات غير الحكوميّة على عجل.اضافة اعلان
وحسب تقديرات الأمم المتحدة، من المحتمل أن يصل عدد المشرّدين قبل انتهاء معركة الموصل إلى المليون. ووفق كلّ المؤشّرات، سينتهي معظم من يهرب من جحيم المعركة في مخيّماتٍ ليست مؤهّلةً لتوفير متطلّبات العيش الكريم. هذا تحدٍّ سيُلقي العراق في قاع كارثةٍ أكبر إن لم تعمل الحكومة العراقيّة على التصدّي له بكفاءةٍ وعدالةٍ بأسرع وقتٍ ممكن.
طبيعيٌّ أن تكون المخيّمات هي الملاذ قصير المدى لاستيعاب الأعداد الكبيرة من النازحين. لكنّ العمل بأقصى طاقةٍ لتقصير مدة البقاء فيها حقٌّ للعراقيّين الذين تجرّعوا همجيّة "داعش" بعد أن كانوا عانوا إهمال الحكومات، وشرطٌ للحؤول دون دقّ المسمار الأخير في نعش العراق الدولة.
من المفترض أنّ قادة العراق وأحزابه يدركون الآن أنّ تفشّي "داعش" في العراق ساعدته السياسات الإقصائيّة التي رأت إلى البلد سوقاً لتقسيم المكتسبات وفق الانتماءات المذهبيّة والعرقيّة. لكنّ المؤسف أنّ هذا الإدراك لم يُترجم حتّى اللحظة جهداً تصحيحيّاً يُعيد بناء العراق وطناً يضمن العدالة والمساواة لجميع العراقيّين. لذلك ثمّة ما يبرّر التشاؤم حول المستقبل.
لن ينتصر العراق على "داعش" إلّا إذا انتصر على النهج الإلغائيّ الإقصائيّ لنظامه السياسيّ. فما كان الإرهاب ليغزو عقول الناس ويسيطر على مساحاتٍ شاسعةٍ من البلد لو لم يتسبّب هذا النهج في تجذير القهر فاليأس والغضب، ويضعف مؤسّسات الدولة بما فيها الجيش الذي كان فرّ من الموصل من دون مواجهة بضع مئاتٍ من العصابات "الداعشيّة" التي احتلّت المدينة.
السؤال الرئيس الآن يتمحور حول قدرة العراق على إعادة بناء نظامه السياسي بما يضمن العدالة والمساواة في ضوء هيمنة الأحزاب والمليشيات الإقصائيّة على منظومته السياسيّة والاقتصاديّة، وفي واقع الاختراقات الإقليميّة له.
والجواب الذي تقود إليه تجربة السنوات الماضية هو: لا، ليس في أيّ وقتٍ قريب. فالوضع في العراق جزء من الفوضى الإقليمية. لن تُحل أزمة العراق خارج انفراجٍ إقليميٍّ أوسع لا يبدو أنّ شروطه نضجت.
وما يزيد الأمور سوءاً هو تصميم "داعش" على زيادة كلفة معركة الموصل، من خلال ترهيب الناس وإجبار مئات الألوف على الهرب إلى مخيّمات اللاجئين. رهان "داعش" هو أنّ هؤلاء المشرّدين سيكونون ضحايا الفشل الحكوميّ في تلبية احتياجاتهم وفي إنهاء السياسات الإقصائيّة التي ستزيد من قهرهم، ما سيوسّع بيئة القهر واليأس التي تعتاش عليها أفكار "داعش" العدميّة، ويجد فيها الإرهابيّون الأتباع.
وفّر التحالف الدوليّ دعماً عسكريّاً للحكومة العراقيّة لمساعدتها على كسب معركة الموصل. بيد أنّه من أجل أن يكون دحر "داعش" نصراً حقيقيّاً، يجب أن يوفّر المجتمع الدوليّ، والعربيّ تحديداً، الدعم الإنسانيّ للمهجّرين والنازحين، والضغط الإيجابيّ على الحكومة العراقيّة لتكون ممثّلةً لكلّ العراقيّين.