لا تعايش مع خطاب الكراهية

أحسنت السلطات المعنيّة إذ بدأت تطبّق القانون على دعاة الجهل والموت ممّن يحرّضون على العنف والقتل، وينشرون وباء الحقد والكراهية، فينخرون في تماسك المجتمع ويهدّدون أمنه وسلمه الأهلي.اضافة اعلان
فالتحريض على القتل جريمةٌ تجعل من مرتكبها شريكاً قانونيّاً وأخلاقيّاً في جريمة القتل حين تقع. ومن يبثّ خطاب الكراهية ويحرّض الناس على خرق القانون وعلى التخلّي عن إنسانيّتهم عبر رفض المختلف يمثّل خطراً على المجتمع لا يجوز السكوت عنه.
لسنواتٍ طويلة، انتشر خطاب الكراهية والتحريض من دون رادع. ووفّرت وسائل الاتّصال الحديثة منابر استغلّها كثيرون للترويج للجهل ولتدمير المنظومة القيميّة من دون أن يجدوا من يوقف جرمهم. القوانين التي تعاقب مثل هذه الجرائم وتمنعها كانت موجودة. الغائب كان الإدراك لحجم الآفة والإرادة لوقفها.
غيّرت جريمة اغتيال ناهض حتّر رحمه الله الحال. فالسجال الذي تبع ارتكاب الجريمة كشف حجم الاختراق القيمي وعرّى عمق الفجوة بين قناعاتنا وبين الواقع في ما يتعلّق بصلابة استنارة الثقافة الجمعيّة. ثمّة أكثريّةٌ ما تزال ترفض ثقافة الموت والكره. لكنْ هناك أيضاً أعدادٌ مقلقٌ كثرتها ممّن يتبنّون خطاب الكره والتحريض اقتناعاً أو جهلاً.
لذلك كان ضروريّاً أن تتحرّك الدولة بسرعةٍ وفاعليّة، فتُفعّل القانون ضدّ من تُشكّل أقوالهم وتصريحاتهم خرقاً للقانون. وهؤلاء كثر. فعلى صفحات التواصل الاجتماعي من احتفل بقتل حتّر إنجازاً وعدالة، ومن يدعون علانيةً إلى قتل الآخر المختلف. وثمّة من لا يتبنّون القتل علانيةً، لكنّهم يبثّون السموم القيميّة والفكريّة التي تحرّض على الكراهية ورفض الآخر من دون أي اعتبارٍ لقانونٍ أو قيمةٍ إنسانيّة.
معاقبة هؤلاء وتعطيل قدرتهم تهديد أمن المجتمع ضرورة. ويجب أن تستمرّ حملة تطبيق القانون ضدّهم من دون تهاون، فيكون التحرّك لوقف خطاب الكراهية فعلاً استراتيجيّاً يستهدف منع الخطر واستئصاله، لا فزعةً تفجّرت تحت ضغط اللحظة وستنتهي مع تراجع هذا الضغط.
لكنّ العقاب وحده لن يحلّ المعضلة. لا بدّ من إطلاق عملٍ مؤسّساتيٍّ يحمي الشباب من آفة الفكر الإقصائي الإلغائي بكلّ تجلّياته قبل أن يستفحل في عقولهم. وهذا جهدٌ طويل المدى يجب أن يحدّد مصادر هذه الآفة ويجفّفها. فثمّة من ينظّر للفكر الإلغائي، وهناك من يروّج له ويرعاه، وهناك من يعمل على تأطير متبنّيه في جماعات الجهل. النجاح في محاصرة خطاب الكراهية يتطلّب جهداً استباقيّاً وقائيّاً ضدّ كلّ هؤلاء، وليس إجراءاتٍ عقابيّةً فقط.
التوعية شرطٌ للنجاح أيضاً. غير أنّ التوعية لا تعني نشر خطابٍ يدحض خطاب الجهل فقط. هي تقوم كذلك على تنقية المجال العام من السموم الفكريّة، وضمان خلوّ المدارس والجامعات ومساحات الحوار العام منها، عبر إصلاحٍ تعليميٍّ يبني بيئةً تعليميّةً ومجالاً عامّاً ينشران النور والانفتاح والتعدّدية، لا الظلام والانغلاق والإقصائيّة. والتوعية تعني أيضاً تمكين الشباب أدوات الفكر النقدي الذي يشجعّهم على تحدّي ما يفرض عليهم من قوالب مغلقةٍ وفكرٍ انعزالي.
يجب أن تستمر الحملة المستهدفة معاقبة دعاة الموت والكراهية ليعرف كلّ محرّضٍ أنّ لجريمته عقابا. لكن يجب أن تستمرّ كذلك، وبفاعليّةٍ والتزام، جميع الجهود المستهدفة ضمان أن تكون مناهجنا ومدارسنا وجامعاتنا ومساحات السجال العام كلّها منابر للنور. فالتقاعس في هذا الجهد تدميرٌ لمستقبل الأردن.