مرحلة لا تحتمل الصخب والتخوين

قرأت الأسبوع الماضي، على موقع جبهة العمل الإسلامي، مقالا كتبه الشيخ حمزة منصور بعنوان: "نعم إنها صفقة، ولكنها مع الله"، كتبها ردا على مقال للدكتور لبيب قمحاوي تحمل عنوان: "الصفقة: الحركات الإسلامية وأميركا والربيع العربي". واضطررت أن أعود لمقالة الدكتور قمحاوي، وأبحث في بعض مقالاته الأخيرة.اضافة اعلان
الحقيقة أنني لست متفاجئا من حجم الهجوم على الحركات الإسلامية في الأردن وفي الوطن العربي، خاصة ذلك الهجوم الليبرالي المحكم المخطط الذي يشبه هجوم القوميين عليهم فترات طويلة. ولكني تفاجأت بالمجمل من ردود الفعل الصاخبة لدى العديد من المؤسسات الفكرية، والناشطين السياسيين في الأردن وخارجه، حول قرار الدولة الأردنية تقريب الإسلاميين إليها، والتودد إليهم، في هذه المرحلة السياسية الحرجة، حيث اقتضت المصالح العليا للدولة ذلك، وحيث استحقت المرحلة، وبعد أن وقعت الحركة الإسلامية في الوطن العربي تحت مخالب "كل من هب ودب" خلال الستين عاما الماضية.
يقول الشيخ منصور في رده على قمحاوي: "الحركة الإسلامية كتاب مفتوح، فهي تتعرض منذ النصف الثاني من القرن الماضي إلى صنوف شتى من الابتلاءات على يد الأنظمة المتحكمة بالشعوب العربية، لم تبق سراً مكتوماً، فلم أجد دليلاً ولا مبرراً. حقاً لم يكن يدور بخلدي أن سياسياً عروبياً مثقفاً يبلغ به سوء الظن بالمشروع الإسلامي وحملته هذا المبلغ".
في مرحلة ليست بعيدة، كنت شخصيا مع الذين هاجموا الحركة، في أوقات كنّا نرى وجوب وقوفها مع الشارع الأردني في تحركه نحو الإصلاح، لكنها لم تفعل. وهاجمتها أكثر من مرة حين دعت الحاجة والدعوة لتخفيف الضغط على الدولة الأردنية لتتمكن من تحقيق بعض الإصلاحات المهمة على بعض المنعطفات. وطالبتهم بود ورجاء، عدة مرات، إيجاد صيغة عمل مشتركة مع الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة للمطالبة بقانون انتخاب يحظى بالتمثيل السياسي العادل، لكنهم لم يفعلوا. ولكن اليوم، ومع حكومة د. عون الخصاونة التي منحت فرصة كبيرة لتحقيق الإصلاح، وبادرت بالاستماع إلى مطالب الحركة الإسلامية، ولم تدخر جهدا في اجتذابها واجتذاب غيرها من التجمعات السياسية والشخصيات المعارضة ومن مجلس النواب، الذي يستمع إلى بيان الحكومة الوزاري اليوم الأربعاء، ومع الإرادة السياسية المكتملة والناضجة، صرنا نتأمل أن يلتقي الجميع في مكان ما، وأن تنطلق قافلة واحدة، فيها كل النوايا الطيبة، من دون تخوين أو اتهامات، نحو حالة من التعاون المجتمعي الكلي، في كل القطاعات، وعلى كافة المستويات، لتحقيق الإصلاح الشامل، والمطالب العادلة. ونحلم، ولو لمرة واحدة، أن نشهد نهضة حقيقية، سياسية واقتصادية واجتماعية، يُساهم فيها الجميع.
هذه المرحلة لا تحتمل التخوين، ولا تحتمل القسوة التي وجدتها في مقالات الدكتور لبيب قمحاوي، في نقد الدولة الأردنية وتصويرها بالمطلق على أنها دولة أمنية، لدرجة يظن القارئ أن طلبة المدارس يكتبون واجباتهم المدرسية بإيعاز من الدولة الأردنية، أو خوفا منها. وكان عليه أن يطلع، ولو قليلا، على تغييرات كثيرة حقيقية، جاءت مع الخصاونة وشملت الأجهزة الأمنية وقطاعا كبيرا من أصحاب التوصيات والترشيحات، وكأنه لم يعلم أيضا، أن بيان حكومة الخصاونة الوزاري اليوم سيكون أول بيان وزاري لم يتعرض للتسويق الأمني بشكل مسبق.
لست مجرد حالم، ولكن دولا عديدة حول العالم وصلت في الماضي هذه المرحلة التي نقف عندها الآن، ولا شك أننا نعلم أن الدول التي انتبه المجتمع وصناع القرار وأصحاب الرأي فيها إلى أهمية المرحلة، وتكاتفوا لتجاوزها، حققت الكثير من الآمال. أما الدول التي لم تنتبه بل تجاهلت الدعوات، وبقيت تغوص في خلافات صاخبة لا تقدم ولا تؤخر، وصراعات واتهامات مُعطلة، فما تزال واقفة مكانها، أو تراجعت نحو الهاوية.