مزالق اليمن الخطيرة

الاستعصاء في الثورة اليمنية يزداد يوما بعد يوم، وخاتمة الأحداث تشي بكوارث حقيقية، فإن نجا اليمنيون من حرب قبلية وفتنة فلن ينجو اليمن غير السعيد من الانفصال وعودة دولة اليمن الجنوبي.اضافة اعلان
في اليمن الاستعصاء يتكرس نتيجة التأثير الكبير للقبيلة، والذي اتسع كثيراً في زمان الرئيس علي عبدالله صالح، حتى الجيش اليمني أعيد بناؤه ليس على قاعدة حداثوية مثل أي من جيوش العالم، أي ليكون مفتوحا لأبناء الشعب على قدم المواطنة والمساواة بالمواطنة، لقد أعيد تركيب الجيش على قاعدة القبيلة - الجيش، اللواء أو الكتيبة أو السرية، في إطار القبيلة والعشيرة، بمعنى لواء في الجيش يكون بكامله من قبيلة حاشد، ولواء في الجيش من قبيلة بكيل، ولواء آخر من قبيلة أرحب وهكذا، وهذا عقّد الأمور لأنه أدى إلى عقد تحالف بين السلطة والمال، أي "زواج المتعة" بين السلطة والمال والجيش بالقبائل، وبالتالي رفع منسوب الأزمة، واليمن الذي يدخل الآن في الشهر الثامن للانتفاضة الكبرى، والملايين يومياً بالشوارع في اليمن، 17 محافظة، وفي كل محافظة 200 - 300 ألف يومياً، أي ما يعادل 2 - 3 ملايين في الميدان، ومع ذلك فالاستعصاء قائم، وهذا سبب رئيسي، والسبب الآخر ثقافة الربط بالماضي والتركيبة الطبقية الضعيفة والهشّة، ومحدودية الطبقة الوسطى في اليمن، فهناك أقلية بيدها رأس المال متداخلة مع السلطة، والأغلبية الساحقة فقراء، وفقراء تحت خط الفقر، فيوجد في اليمن 60 % فقراء وتحت خط الفقر من مجموع الشعب، ويوجد في اليمن 60 % من الأمية، هذه عوامل كلها تتداخل، تؤثر على الشبيبة وانتفاضة الشعب.
ومن الأسباب أيضاً خلافات القوى السياسية الجنوبية اليمنية، حتى وصل الأمر إلى اندلاع اشتباكات مسلحة بين أنصار "الحراك الجنوبي" وأنصار حزب الإصلاح الإسلامي، والسبب وراء اندلاع الاشتباكات كان قيام أنصار حزب الإصلاح برفع علم الجمهورية اليمنية، مخالفين بذلك ما كان اتفق عليه الطرفان بعدم رفع أعلام، سواء علم الجمهورية أو علم اليمن الجنوبي.. وذلك خلال المظاهرات المطالبة بإسقاط نظام الرئيس اليمني صالح، قبل أن يتدخل عدد من الوجهاء والشخصيات الاجتماعية لإيقافها واحتواء الموقف.
الحراك الجنوبي يتهم أنصار حزب الإصلاح باستهداف الحراك، وبدفع الأموال لاستمالة الناس من أجل الخروج معهم، والسعي لإشعال نار الفتنة في جنوب اليمن، كما اتهمهم بأنهم يحملون مشروعاً مشابهاً للنظام اليمني الذي يطالب كل اليمنيين بإسقاطه.
ورغم أن الخلاف الرئيسي بين القوى السياسية حول وجوب الانفصال من عدمه، فإن دعوات الانفصال التي لوحظ انحسارها مع بداية المظاهرات في اليمن، قد عادت وربّما تعود بشكل أكبر قوّة أمام الاستعصاء اليمني، وانحسار الخيارات السياسية لدى كل الأطراف للخروج من الأزمة.
في اليمن كل المعطيات والمؤشرات الميدانية على الأرض، تظهر أن الأوضاع تتجه فعلاً إلى حافة الحرب، وأن احتمالات المواجهة العسكرية الشاملة تتسارع أكثر من أي وقت مضى، وما يكبح انفجار الوضع حتى الآن هو بقية الأمل في إمكان الوصول إلى تسوية تجنب البلاد ويلات الدمار، إضافة إلى الجهود الحثيثة للقوى الدولية والإقليمية الحريصة، دفاعاً عن مصالحها، على منع الانزلاق نحو خيار الحرب الأهلية.
لا ريب أن انسداد مسار الحل التوافقي في ظل تعنت النظام حيناً ومراوغته حيناً آخر في التوقيع على المبادرة الخليجية، ربما ظناً منه بأن المملكة العربية السعودية ماتزال تسانده وتدعم خياراته، أو ربما انطلاقاً من تقديره بأنه ما يزال المتفوق في ميزان القوى العسكري، وبمقدوره حسم الصراع لصالحه، وبالتالي إخماد الحراك الاحتجاجي بدون الحاجة لتقديم تنازلات، كل ذلك قد يدفع باتجاه المزيد من التشدد والتعنت في المواقف وصب المزيد من الزيت على النار الحامية وتعزيز التوجه نحو خيار الحل العسكري!

[email protected]