نحن والحكومة

عندما كان وزيرا للإعلام في أواسط التسعينيات مارس الدكتور مروان المعشر انفتاحا حكوميا على الإعلام لم يكن مألوفا في العلاقة بين السلطتين الأولى والرابعة. وفي لقاءاته الأسبوعية مع الصحفيين كان المعشر حريصا على تقديم المعلومة وقادرا على الدفاع عن موقف الحكومة، وتوضيح ما كان خافيا من تفاصيل العلاقة بين الأردن ومحيطه العربي، وتبرير القرارات الرسمية التي لم تحظ بقبول الشارع.اضافة اعلان
آنئذ لم يكن لدينا حراك شعبي، ولم نكن قد اقتحمنا عالم الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ولم تكن هيبة الدولة قد تعرضت للمس هنا أو الخدش هناك، ولم يكن لدينا ما نخشى عواقبه غير ما يحيط بنا من تطورات الوضع في فلسطين وفي العراق.
رغم ذلك، كانت لقاءات المعشر مادة مهمة للإعلامين الوطني والعربي لما تضمنته تصريحات الوزير من كشف وموضوعية ومعلومات كنا نظنها أسرارا حكومية وتبين أنها كانت دائما متاحة لنا، ولم نعرفها لأننا لم نسأل أحدا عنها.
ذهب المعشر وذهبت معه تلك اللقاءات الأسبوعية التي يتبين الآن أنها كانت ضرورية للحكومة بقدر حاجتنا إليها، فقد كان الوزير حريصا على الاستماع إلينا، ليتلمس من خلالنا نبض الشارع وهموم الناس وقضاياهم المطلبية وانحيازاتهم السياسية.
في السنوات اللاحقة تشكلت حكومات لا تؤمن بجدوى التواصل مع إعلام تخشاه كثيرا، ولا تقبل الحوار مع صحفيين تعتبرهم موظفين صغارا ينبغي أن ينخرطوا جميعا في حملات الترويج للسياسات الحكومية والدفاع عن ما يصيب منها وما يخيب. وكان العباقرة الجالسون على مقاعد القرار يتجاهلون الإعلام الوطني ويجثون على ركبهم أمام مراسلي الوكالات العالمية، حين يدلون بتصريح سياسي!
في الآونة الأخيرة تغيرت الصورة، وعاد الحصيفون من أعضاء الطواقم الوزارية السريعة الذوبان إلى الاعتراف بدور الإعلام الوطني وأهميته القصوى في المساهة بصياغة الواقع الأردني وتجسير العلاقة بين الحكومة والمجتمع. وقد لمسنا هذا التوجه في أكثر من مناسبة دعينا فيها إلى لقاءات مع رئيس الحكومة أو وزراء في حكومته. ورغم اللغة المتحفظة والدبلوماسية المبالغ فيها، أثمرت هذه اللقاءات في تقديم خطاب إعلامي هادئ، بعيد عن التشنج والتخندق ومحاولات الدفاع عن الغلط. وكان هذا الخطاب ضروريا، لتقديم صورة موضوعية لواقعنا في خضم التجاذبات القائمة بين أطراف التشكيل السياسي التي تحكم في الدوار الرابع والتي تحرك الناس في "دواوير" وساحات أخرى في عمان والمحافظات.
نستمع للحكومة دائما ونستجوبها أحيانا. نقدم رأيها وموقفها وقرارها في خبر، ونهاجم هذا الموقف في مقال. هذا هو حال علاقتنا بالحكومات، وهذه هي العلاقة السوية بين الإعلام الوطني والحكومة في الأردن أو في أي بلد آخر. لكن الشراكة بين السلطات التي نتحدث عنها دائما تقتضي الانتقال إلى حالة تشاورية يتم فيها بحث التوجه قبل إعلانه، وتوجب تعزيز الثقة في صحافتنا التي تجاوزت منذ زمن بعيد دور الناقل إلى دور الفاعل في تشكيل الرأي والمزاج الشعبي.
لا ندخل على خطوط أصحاب المعالي ولا نطلب المشاركة في اتخاذ قراراتهم اليومية في إدارة شؤون وزاراتهم وقطاعاتهم، لكننا نزعم أن لدينا ما نقوله في الشأن العام، ونعتقد أن لدينا ما نقدمه للدولة، حكومة ومجتمعا، حين يتعلق الأمر بمساراتنا السياسية والاقتصادية.
لأننا ندرك صعوبة الأوضاع وخطورة المرحلة فإننا نأمل باستمرار التواصل.