التعليم بعد "التحديث".. ملفات جديدة فهل يكون الدمج حلا؟

مبنى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي-(تصوير: ساهر قدارة)
مبنى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي-(تصوير: ساهر قدارة)
تيسير النعيمات عند إعلان أي خطة حكومية لتطوير التعليم العام والعالي في البلاد، يبرز سؤال مهم: لماذا لا تصمد مثل هذه الخطط أمام سؤال: هل التعليم أولوية لدى الدولة؟ وهل ترى الدولة ان مفتاح معالجة المشاكل الاقتصادية والنهوض بالاقتصاد الوطني، هو التعليم الجيد وإصلاحه؟. مرد هذه التساؤلات الملحة، إعلان الحكومة الأخير عن خريطة طريق لتحديث القطاع العام، تضمنت دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي بوزارة واحدة اسمها (وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية)، لكن هذه المرة، بإضافة ملفات كانت تتولاها وزارتا التنمية الاجتماعية والعمل. لم تتغير في قطاع التعليم التحديات، كالحاجة لمعلمين أو لمدارس، أو ما يفرضه ملف التعليم قبل المدرسي، وهذه جميعها احتياجات ما تزال قائمة في ظل انخفاض نسبة الانفاق من الناتج المحلي الاجمالي على التعليم الى النصف، اذ انها كانت تزيد على 7 % في التسعينيات لتصبح اقل من 4 % في السنوات الاخيرة، وهذا جله يضع عادة وسابقا الخطط الحكومية في مهب الريح، فهل نصيب خريطة الطريق الجديدة، سيكون كسابقاتها؟ في ملف التعيين، يكشف وزير التربية والتعليم وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور وجيه عويس، عن حاجة وزارة التربية لتعيين 10 آلاف معلم ومعلمة، لكن ميزانية الوزارة لا تسمح بتعيين أكثر من 4 آلاف معلم ومعلمة، معتبرا بأن التعليم في الأردن، شهد تراجعا في السنوات الماضية. كما يكشف تعثر ملف التعليم قبل المدرسي، والذي تعين له الدول المتقدمة وزيرا مختصا به وحده، عدم صوابية دمج الوزارتين، اذ يعترف عويس بأن الوزارة “مقصرة” في هذا المجال، بحيث تغطي 34 % فقط من الأطفال في (KG2)، في حين يغطي القطاع الخاص 30 % أيضا. الوزير عويس، بين أن الوزارة وضعت خطة لـ5 سنوات، هدفها استيعاب النسبة المُتبقية، وعددهم 88 ألف طفل في الـ(KG2)، وبعد السنوات الـ3 الأولى من الخطة، ستبدأ الوزارة باستيعاب طلاب الـ(KG1)، مُهيبا بالقطاع الخاص التوجه لإنشاء رياض أطفال، وداعيا الحكومة لتقديم تسهيلات للقطاع الخاص للقيام بهذا الدور، عبر الإعفاءات الضريبة، وتقديم قطع أراض لبناء حضانات عليها. وبالعودة للوراء قليلا، يتضح حجم المشكلة أكثر، ففي عهد وزير التربية والتعليم الأسبق عمر الرزاز، بين أن الوزارة، وضمن المرحلة الثانية، سترفع نسبة الملتحقين برياض الأطفال (KG2) لتبلغ 80 % العام الحالي، ثم 100 % بحلول العام 2025، فأين نحن من تنفيذ هذه الخطة التي تحتاج للأموال، وهي مهمة الدولة حتى في أكثر الدول “تطرفا في الرأسمالية” وليست مهمة القطاع الخاص. أما الأبنية المدرسية فقصة أخرى، إذ تضطر الوزارة للجوء الى دوام الفترتين، ناهيك عن اكتظاظ الصفوف نتيجة الحاجة لمدارس، ولا يخلو الامر من تحديات أخرى كتراجع الاردن في نتائج الامتحانات الدولية لمواد الرياضيات والعلوم واللغة الانجليزية. اما في قطاع التعليم العالي، فمديونية الجامعات الرسمية والعجز في موازناتها، يزداد عاما بعد عام. وتشكل نسبة الدعم الحكومي أكثر من نصف ايرادات بعض الجامعات، ما يجعل أمر “تدبير” رواتب العاملين همّا شهريا لرؤساء هذه الجامعات التي تعجز عن تسديد مستحقات الضمان وفواتير الكهرباء والماء، ويقف جل رؤساء الجامعات الرسمية، عاجزين عن تطوير البنى التحتية في جامعاتهم بسبب الضائقة المالية، في ظل تراجع واضح لمخرجات الجامعات والتعليم العالي والبحث العلمي في البلاد. لا بل إن الوزارة عاجزة حتى الآن، عن إعادة رسوم الفصل الدراسي الاول للطلبة الذين استفادوا من منح وقروض صندوق دعم الطالب الجامعي هذا العام، لعدم وجود مخصصات. فمن يبرر للدمج، بينما لم يكن هناك وزارة للتعليم العالي قبل العام 1987، بل مجلس تعليم عال، يتولى ملف الجامعات، يتجاهل حقيقة أن عدد الجامعات الحكومية والخاصة حينها، كان لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، فيما يبلغ عددها الآن 32 جامعة رسمية وخاصة، ولم تكن الجامعات الرسمية تعاني من المديونية والعجز، وكانت مخرجاتها متميزة، لكن الآن تبرز مشكلة المديونية، في ظل تضاعف أعداد الطلبة والهيئة التدريسية وعاملي الجامعات مرات عديدة. والآن، تضمنت مخرجات خريطة الطريق لتحديث القطاع العام، دمج الوزارتين، بل وأعلنت الحكومة برنامجا تنفيذيا، تحت مبرر أن “الوزارة الجديدة ستصبح المظلة لتنمية الموارد البشرية من حيث التعليم الأكاديمي والمهني والتقني والعالي، مع التأكيد على أنه يجب أن تكون مخرجات تلك المنظومة، متوائمة مع متطلبات سوق العمل”. الملاحظ، أن اللجنة التي شكلت ووضعت هذه الخريطة للتحديث، غاب عن أعمالها وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي، بل لم يستشر أي من الوزراء السابقين الذين تولوا حقيبتي التربية والتعليم والتعليم العالي معا، ودون استشارة اي رئيس جامعة، برغم أن الخريطة أعلنت أنها عقدت أكثر من 100 اجتماع وورشة عمل مع مختلف الجهات، بل واستعانت بأكثر من 20 خبيرا محليا ودوليا. في تقرير سابق لـ”الغد”، وبعد استطلاع آراء وزراء تربية وتعليم وتعليم عال سابقين ورؤساء جامعات حاليين، لم يؤيد أي منهم دمج الوزارتين، بل إنهم أكدوا جميعا ان (الدمج) سيجعل التعليم والتعليم العالي، يعاني مزيدا من التراجع، ويعمق الأزمات المالية للجامعات، خصوصا مع تحميل الوزارة المدموجة ملفات ستلقي مزيدا من الأثقال والأحمال على كاهلها. وبحسب خطة الحكومة لتحديث القطاع العام، تعمل الحكومة على إنشاء وزارة للتربية وتنمية الموارد البشرية بدمج وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي والتربية والتعليم، اذ من المقرر أن ينجز إنشاء هذه الوزارة بين عامي 2022 و2024. وفي قطاع الحضانات ومراكز المنار التعليمية، ستعمل الخطة على نقل مهام الحضانات وهذه المراكز من وزارة التنمية الاجتماعية إلى وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية، بفترة زمنية محددة للعامين 2022-2023. وفي الأعوام 2022-2023-2024، ستعمل الخطة، على دمج هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وهيئة تنمية وتطوير المهارات الفنية والتقنية في هيئة واحدة ذات استقلال مالي وإداري يترأسها وزير التربية وتنمية الموارد البشرية. ومن المقرر، أن تعمل الخطة على نقل مهام تطوير المناهج (إدارة المناهج) من وزارة التربية والتعليم إلى المركز الوطني لتطوير المناهج بين عامي (2022-2024)، بالإضافة إلى نقل مهام مؤسسة التدريب المهني والتقني إلى وزارة التربية والتنمية الموارد البشرية ودمجه مع التعليم المهني.

اقرأ المزيد : 

اضافة اعلان