بدران: اعتذرت عن تشكيل الحكومة العام 1971 لإيماني بمبدأ التدرج بالصعود

رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر" - (تصوير: محمد ابو غوش)
رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر" - (تصوير: محمد ابو غوش)

محمد خير الرواشدة

عمان- يواصل رئيس الوزراء الأسبق ومدير المخابرات العامة الأسبق مضر بدران رواية سلسلة ذكرياته السياسية حول مواقف ومواقع كان موجودا فيها.
اليوم، يستكمل بدران، ضيف حلقات زاوية "سياسي يتذكر" مع "الغد"، حديثه عن أول حقيبة وزارية تسلمها في حكومة زيد الرفاعي الأولى، وكانت وزارة التربية والتعليم.
وهناك تعرف على رجلي التربية والتعليم البارزين حكمت الساكت وعبد خلف داودية، وهما شخصيتان تربويتان تحظيان باحترام وتقدير واسعين.
وفي غمرة بحث بدران عن تطوير وزارة التربية والتعليم، اشتبك مع المعادلة الأصلية في نجاح عمل الوزارة، وهي التركيز على المعلم والمنهاج والبناء المدرسي، والطالب الذي يعد محور البناء في كل تلك العملية.
 ويقول: استطعت أن أكتشف أن المشاكل الإدارية في وزارة التربية لا نهاية لها، وأن أهم أطراف المعادلة التعليمية في الأردن، هي الطالب والمعلم المؤهل والكتاب والمنهاج، والمبنى المناسب، وأن محور العملية التعليمية هو الطالب، الذي تمثل زراعته بكل القيم التربوية والعلوم المعرفية أهم أنواع البناء.
ويكشف وزير التربية والتعليم الأسبق اليوم قصته مع رئيس الحكومة زيد الرفاعي بعد الطلب لأول مرة "علاوة المعلمين" وكيف تم تحصيلها بقرار مجلس وزراء.
كما استطاع تحصيل أول إسكان معلمين، خلال زيارة قام بها مع الراحل الحسين، لافتتاح إسكان لموظفي الحكومة، فطلب من الملك تخصيصه للمعلمين فوافق فورا، وكان أول إسكان للمعلمين.
وأعاد بدران فكرة بند استملاكات أراضي الدولة، بعد أن صار الاستملاك في مناطق عمان صعبا، وأنه لا يوجد في الموازنة بند لشراء الأراضي، حيث تم تخصيص بند في موازنة ذلك العام، لأول مرة، للاستملاكات الحكومية وبموازنة 6 ملايين دينار.
وفي مسألة كتب المناهج في وزارة التربية والتعليم، يتحدث بدران اليوم عن أنها أزمة ليست بسيطة، خصوصا وأن الاقتراب من هذه القضية، بمثابة نبش لـ"عش دبابير"، لأسباب تتعلق بذهنية التغيير الصعبة، ومن جهة أخرى وجود معلمين حزبيين، سواء من جماعة الإخوان المسلمين، أو من حزب البعث أو الأحزاب اليسارية.
وكان بدران في حلقة أمس تحدث عن علاقته بالشهيد وصفي التل، وأثار بعض الأسئلة عن ضعف حراسات الشهيد في فندق الشيراتون بالقاهرة.
كما تحدث عن جانب من المهام التي أوكلها إليه الراحل الحسين في فترة مطلع السبعينيات، في وقت انخرط فيه بدران في تأسيس حزب الاتحاد الوطني، الذي رشح منه وزراء لحكومة زيد الرفاعي الأولى.
في وقت شرح فيه بدران كيف دخل حكومة زيد الرفاعي الأولى وزيرا للتربية والتعليم، حيث لم يتخيل  أن يقبل بهذه الحقيبة.

اضافة اعلان

وفيما يلي نص الحلقة الثانية عشرة:

* في الحلقة الماضية توقفنا عند دخولك وزارة التربية والتعليم، وقد يكون غريبا بعض الشيء، قبولك الوزارة ورفضك لرئاسة الحكومة بعد اغتيال وصفي التل؟
-لا؛ ليس غريبا، ذكرت لك أن الراحل الحسين، عندما طلب مني أن أشكل الحكومة بعد اغتيال وصفي التل في القاهرة، رفضت لأسباب موضوعية، منها أنني "لن أغطي على طرف الكرسي" الذي كان يجلس عليه وصفي، وقلتها للحسين رحمه الله "وصفي كان جالسا على الكرسي وطافف"، وطلبت من الراحل الحسين أن يصبر علي حتى أكمل درسي، وحتى تنضج تجربتي، كما أني كنت أذكر جيدا أن وصفي التل كان يهيئ اللوزي لخلافته أصلا، وأذكر أنه رشح اللوزي للراحل الحسين قبل استشهاده بفترة ليست بالقصيرة.
كما أني لم أتعود على تقديم نفسي لمواقع، ما زلت لا أعرف الكثير عن تفاصيلها، فقد أبدو اليوم بثوب الزاهد في كل موقع عرضه علي الراحل الحسين، لكني كنت متأكدا، بأني لن أقبل القيام بعمل أعرف بأنه أكبر من قدراتي أو إمكانياتي، لذلك كنت مؤمنا بمبدأ التدرج في الصعود على سلم درجات العمل الرسمي.

* إذن قبلت بحقيبة وزارة التربية والتعليم، وهناك ماذا فعلت؟
- ذهبت للوزارة، ومباشرة بعد الانتهاء من مراسم التبريكات والتهاني، كنت أخشى من طبيعة الهم الإداري والبروتوكولي، لأن أجندة الوزير عادة، ما تكون مليئة بمثل هذه الاستحقاقات والمواعيد.
كنت قد سمعت عن شخصين في وزارة التربية والتعليم، وكان لهما سمعة طيبة حتى وأنا أعمل في دائرة المخابرات العامة.
فوكيل الوزارة حكمت الساكت كان معروفا عنه بأنه رجل لا يستسلم لـ"العوج"، وكان مقاتلا شرسا عن الحق والعدالة، والثاني هو عبد خلف داودية، وكنت أعرفه لما كان مدير مخابرات عمان، يستعين به لفض المسيرات والمظاهرات وحل مطالبها، فقد كان رجلا له حضوره وهيبته وكلمته بين الناس، فقد كان مديرا لتربية عمان، والناس كانت تقدر له كفاءته في العمل وعدالته بالفصل بين الناس والموظفين، لذلك لم تستعن به المخابرات يوما لحل مشكلة إلا ونجح بها، وهنا استعانت به المخابرات لحضوره الاجتماعي، وليس لأنه يعمل لديها، وكان يتجاوب من منطلق تقديره للمصلحة العامة، كما أنه كان موضوعيا في كلامه ومواقفه.
جلست على كرسي الوزارة، وطلبت نصيحة حكمت الساكت، فجاء لي بكل التعليمات والأنظمة التي تحكم عمل الوزارة، ثم أعطاني الكتب التي تستند لها الوزارة في كتابة المناهج المدرسية، وفعلا أخذتها وعكفت على قراءتها الأيام الأولى لي في العمل، وكنت لا أنام حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وأنهض للحاق بعملي في الوزارة قبل وصول الموظفين.
استطعت من خلال قراءتي أن أكتشف أن المشاكل الإدارية في وزارة التربية لا نهاية لها، وأن أهم أطراف المعادلة التعليمية في الأردن، هي الطالب والمعلم المؤهل والكتاب والمنهاج، والمبنى المناسب، وأن محور العملية التعليمية هو الطالب، الذي تمثل زراعته بكل القيم التربوية والعلوم المعرفية أهم أنواع البناء.
بدأت بالعمل على مشاكل المعلمين، والتي كانت تتمثل بالرواتب القليلة، أمام جهدهم الذي يبذلونه، وأنه وبسبب هذه المشكلة فهم يلجأون للإعارة خارج الأردن، من أجل تحسين ظروف معيشتهم.
وللأمانة، فقد قال لي حكمت الساكت إن كل ما تم إنجازه من تعليمات وأنظمة وأسس في وزارة التربية، وهذه الدقة في التعامل مع كل المشاكل والمتطلبات الإدارية، يعود الفضل بها لوكيل الوزارة الأسبق نوري شفيق، وهي إنجازاته التي بنت الوزارة عليها، كل ما يتخصص بطبيعة عملها.
ذهبت مباشرة إلى زيد الرفاعي، وطلبت منه أن يسمح لي بالعلاوة للمعلمين، لكني وجدت مقاومة مرعبة، وتساءل الرفاعي لماذا التمييز لصالح المعلمين بالعلاوة، فشرحت له أهمية التمييز لصالح هذه المهنة تحديدا، قال: اذهب لمجلس الوزراء وإن وجدت دعما فأنا معك، لكن لن أعدك بشيء، حتى أرى اتجاه الوزراء جميعهم.
طبعا لم يقبل الوزراء بتخصيص علاوة التعليم، فباغتهم بعرض مهم، وقلت: ستكون الأولوية لكل موظف عام، يعمل في الوزارات، ويملك القدرة والكفاءة في التعليم لأن ينتقل لوزارة التربية، وينال علاوة المعلم، فوافق المجلس على الفكرة، خصوصا وأننا كنا نقوم بتعيين عدد كبير من المعلمين في كل عام، وصارت الأولوية للراغبين بالانتقال من وظائفهم الرسمية، قبل فتح باب التعيينات.
طبعا لم يتم نقل أي أحد، ولم يستفد أحد من الموظفين الحكوميين من هذه الفرصة، والمهم أني حصلت على العلاوة.
وذات مرة كنا مع الراحل الحسين، وكان هناك إسكان لموظفي الحكومة، يريدون بناءه في منطقة مرج الحمام، فطلبت من الملك تخصيصه للمعلمين فوافق فورا، وكسبت هذا المنجز المهم في وقتها، وكان أول إسكان للمعلمين.
ثم بدأنا بمعركة الاستملاكات، لغايات بناء المدارس، واكتشفنا أن الأمر صار صعبا في ذلك الزمن، خصوصا داخل عمان، أما في القرى والمحافظات، فقد كانت البلديات تتبرع بالأراضي لوزارة التربية على أساس بنائها، واستفادة الطلبة الذين يسكنون تلك المناطق من خدمة التعليم، وطلبت من الوزارة شراء أراض بسعرها الحالي قبل أن ترتفع في الأيام القادمة.
وبعد أن وجدنا أن الاستملاك في مناطق عمان صار صعبا، وأنه لا يوجد في الموازنة بند لشراء الأراضي، خصصنا في موازنة ذلك العام لأول مرة بندا للاستملاكات الحكومية وبموازنة 6 ملايين دينار.
كان وزير المالية ذوقان الهنداوي، رحمه الله، وكان وزيرا للتربية والتعليم على مراحل، فاتصل بي غاضبا، وقال: "انت شو اللي عملته.. انت مستهلك الـ6 ملايين دينار وحدك، ما ضل عندي للوزارات الثانية ولا قرش للاستملاك؟".
أجبته بهدوء: "هو أنا ماخذ القرارات من وراء ظهرك، ما انت من وقع عليها في مجلس الوزراء"، قال: لم انتبه، فقلت: وما ذنبي!.
كنت أعرف جيدا كيف يعمل الوزراء، فهم يبدأون بالاستملاكات، وتنفيذ المشاريع عليها بعد شهر حزيران من كل عام، لذلك أنا كنت أخطط لآخذ كل موازنة استملاكات الأراضي الحكومية، الـ6 ملايين، ولم أبق منها قرشا واحدا حتى شهر حزيران.
قلت لذوقان رحمه الله، أرجوك لا تعطل القرار الآن، فأنا أسهل مهمتك، لما تعود وزيرا للتربية والتعليم.

* لكن بقيت مشكلة المدارس، وحتى تفاقمت الأمور، حيث اكتشفت وجود مدارس لا تتوفر بها دورات المياه؟
-نعم؛ هذا ما اكتشفناه لاحقا، فلدى زيارتي لمدارس عمان، وصلت مدرسة العبدلية وإذ بالطلبة يلعبون حول حفر امتصاصية، فامتعضت من المشهد، دخلت إلى الصفوف وإذ بالمقعد الأول يقع تحت لوح الدرس مباشرة.
عدت لزيد الرفاعي، وطلبت منه أن يقوم بجولات ميدانية على المدارس، وأنه بهذا الشكل يترك انطباعا عنه بأنه رئيس حكومة ميداني، فوافق، وكنت خططت سلفا أن آخذه لمدرسة العبدلية، ليرى الصورة بعينه، فانزعج حقا، وقال هل هذا يحدث عندنا في المملكة، فطلبت منه قطعة أرض لبناء مدرسة ضخمة، فقال: ابحث عن الأرض المناسبة، وأنا سأطلبها لك.
فقلت أعطني الحديقة، التي في نهاية نزول اللويبدة باتجاه جبل عمان، فقال هي حديقة، فقلت: ننشئ بناء مدرسيا والحديقة نتركها للطلاب كساحات مدرسية، اتصل الرفاعي بأمين العاصمة وقتها محمد طوقان، فرفض الأخير، وإذ بالرفاعي يرد غاضبا بأن هذا أمر، ولا مجال للتأخير بتنفيذه.
فعلا، أخذت الحديقة، وبنيت عليها مجمعا مدرسيا مكونا من ثلاث مدارس، وبطريقة هندسية معتبرة، تسهل وصول الطلبة لها من اللويبدة ووسط البلد وجبل عمان. اسميت تلك المدارس باسم سمير الرفاعي، لأن زيد الرفاعي صاحب الفضل بتخصيص قطعة الأرض، كما أن سمير الرفاعي رئيس وزراء أردني، له أهميته وليس شخصية لا يعرفها أحد.
ثم نفذت زيارات ميدانية لمدارس المحافظات والقرى، واكتشفت أنه في منطقة ريمون مثلا في جرش، مدارس لا يوجد فيها دورات مياه، فصعقت، سألت: في مدارس الذكور، أين تقضون حاجاتكم؟ فقالوا: "بالخلا"، ثم سألت مدارس الإناث، فقالت الطالبات "بين الأشجار"، وسألت فورا وماذا عن المعلمات؟ فاحمرت وجوههن، فقلت هذه كارثة فعلا. خصوصا وأن المعلمات قادمات من خارج المحافظة، وفي الأمر خطورة اجتماعية.
طلبت بعدها، إعداد إحصائية بعدد المدارس التي لا تتوفر فيها دورات مياه في المملكة، وإذ بها نحو 200 مدرسة أو أكثر بقليل، وقررت بناء دورات مياه في تلك المدارس خلال العام نفسه، على أبعد تقدير، كما قررت أن لا ينشأ بناء مدرسي قبل بناء دورات المياه.
ثم خضنا في مسألة تدفئة المدارس، التي يتم بناؤها حديثا، واعترض حكمت الساكت على الأمر، بذريعة أن إدامة الإنفاق على التدفئة المدرسية سيكون أمرا مكلفا، فتجادلت معه، وقلت ماذا تخسر إن أسست لها، وتركتها من دون استخدام، أليس من المتوقع أن نصبح دولة نفطية، قلتها على سبيل الممازحة، لكن فعلا في بعض المناطق، تم تشغيل التدفئة عبر التبرعات المدرسية، لأن شتاء بعض المناطق عندنا، كان شتاء صعبا في بعض السنوات.

* وماذا عن المناهج؛ هل حاولت تطويرها أم أنك استسلمت للهموم الإدارية ودخلت في زحامها؟
- قلت لك إنني خلصت مبكرا لمحاور العملية التعليمية والتربوية، وهي الطالب والمعلم والبناء والكتاب، اجتهدت في كل شيء، بقي عندي أزمة المنهاج، وهي أزمة ليست بسيطة، خصوصا وأنك تنبش عش دبابير إن اقتربت من هذه القضية، فمن جهة ذهنية التغيير صعبة، ومن جهة كان عندنا في وزارة التربية معلمون حزبيون، سواء من جماعة الإخوان المسلمين، أو من حزب البعث أو الأحزاب اليسارية.
لكن وبصدق فقد كانت لجنة كتابة المناهج في مجلس التربية والتعليم، تضم أساتذة كبارا وعلماء أفاضل، وهم متنوعو الاهتمامات السياسية، فكان على سبيل المثال، وليس الحصر، الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني، ومنهم أيضا الدكتور العالم في اختصاصه الاقتصادي خليل السالم.
وأذكر جيدا، عندما كنا نناقش تطوير مناهج الفرع التجاري، بعد اكتشافنا أن مادة الطباعة لم تأت للطلاب بالمنفعة المطلوبة، نتيجة ضعف نصاب الحصص المدرسية خلال الأسبوع، وفعلا فقد سألت عددا من الطلبة في الصفوف، عن عدد الكلمات التي يطبعونها في الدقيقة، فكانت الأرقام ضعيفة، ولدى مناقشة الأمر في لجنة المناهج، طالبت بأن تلغى حصة واحدة من مادة الدين، التي كانت حصتين، على أن يعوض مكانها بحصة الطباعة، فاحتج الحضور، وكان أول المحتجين خليل السالم، الذي همس بأذني ورجاني أن أترك الأمر على حاله، فطلبت منه الصبر.
ومباشرة، قمت بعرض وجهة نظري، وقلت نحن أمام خيارين، إما أن يكون الطالب في الفرع التجاري، ملما بعلوم تخصصه، بما فيها الطباعة وسرعته فيها، وإما أن نكون بحاجة طلبة هذا الفرع ليكونوا علماء دين، عليكم أن تختاروا، وإن اخترتم الثانية فأنا أطالب بزيادة عدد حصص الدين لخمس في الأسبوع، على أن نغير اسم الفرع من التجاري إلى الشرعي.
ومر القرار بعدها بكل تفاهم.
في سياق حديثنا، عن المناهج أذكر كتاب علوم الفيزياء، الذي تجاوز عدد الصفحات فيه 600 صفحة، ناديت مدير دائرة الأرصاد الجوية، والذي كان عضوا في لجنة تأليف الكتاب، وقلت له أتريد أن تأخذ طلبة الأول ثانوي مباشرة لدائرة الأرصاد الجوية، خفف لهم من الكتاب لأنه أمر لا يتحمله طالب، قال: "هيك اللزوم معاليك"، فرددت عليه بانفعال: كنا طلبة في جامعة دمشق، سنة رابعة، وكان أكبر الكتب عندنا التجارة البحرية، بعدد صفحات 400 صفحة، وكان يأتينا الأستاذ في نهاية العام، فيحذف 200 منه، لماذا تترك المعلمين يشطبون من المنهاج على عاتقهم، التزم أنت بكتاب كامل، موزع على السنة الدراسية بشكل مقبول.
واستمررنا في محاولات التطوير، وحاولت أن أكون ناجحا في هذا المجال، وبحسب الظروف المتاحة، في إحدى المرات كنا في حفل تخريج دورة التأهيل التربوي، وحاضرت بنحو 100 معلم ومعلمة، ولدى سؤالي لإحدى المعلمات: ماذا تُدرس؛ أجابت الموسيقى، فقلت: ممتاز، الحضور يفكرون بأني أمزح، فسألتها إن كان عندها أي طلبات، وأني مستعد لتأمينها فورا، الحضور اعتقدوا تلك اللحظة أني أمازح المعلمة، وأني أريد أن أجعلها سببا لضحك المعلمين.
فقلت لهم جميعا، كنت في جامعة دمشق، وكان إلى جانب نادي الطلبة داخل الجامعة، غرفة للموسيقى، وكان الطلبة يدخلونها ويفرغون شحنات من طاقاتهم السلبية فيها، وكان الطلبة السوريون يتفوقون على غيرهم من الطلبة، من جنسيات أخرى، بأنهم يعرفون قراءة "النوتة" الموسيقية، وقلت لهم: كم كنت أخجل، وأنا لا أعرف شيئا عن هذا العلم والفن.
وكان في خاطري فعلا، أن ندخل منهاجا فنيا موسيقيا رسميا إلى مدارسنا، وذكرت قصتي مع ابني عماد، الذي كان له فصول من الشقاوة معي وفي مدرسته، وبأني لم أستطع ضبط شقاوته إلا من خلال أني أحضرت للبيت معلمة موسيقى، واشتريت بيانو، وتعلم العزف وإذ بشخصيته تطورت كثيرا، فالفن يهذب النفوس.
وفعلا، سعيت للأمر في مدارس المملكة، وخاطبت المعلمة، بكل جدية، بأني جاهز لتنفيذ كل طلباتها في مجال تعليم الفن والموسيقى.