بدران: هذه قصة الأردن مع تفجير الروس للطائرة الكورية العام 1983

رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر" - (تصوير: محمد ابو غوش)
رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر" - (تصوير: محمد ابو غوش)

محمد خير الرواشدة

عمان– تستمر زاوية "سياسي يتذكر" مع "الغد"، البحث عن أجوبة لأسئلة مرحلة سياسية مهمة في تاريخ الأردن الحديث.
حيث توقفت الزاوية، في الحلقات الأخيرة الماضية، عند مواقف صعبة جرت بين الراحل الحسين والرئيس المصري الأسبق أنور السادات والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.
وكشف ضيف "الغد"، رئيس الوزراء الأسبق ومدير المخابرات الأسبق مضر بدران، جوانب مهمة عن العلاقات الأردنية العربية في تلك المرحلة، كما ذكر بدران تفاصيل لقائه الأول بالرئيس العراقي السابق صدام حسين.
واليوم يبدأ بدران الحديث، في الحلقة الثانية والعشرين، حول موقف سياسي صعب، جرى بينه وبين الراحل الحسين، وكيف أن بدران اضطر إلى أن يخفي عن الحسين، ما يفكر به، خلال جلسة تصويت مجلس الأمن على قرار يدين روسيا لقصفها طائرة مدنية عبرت أجواءها.
ويتحدث بدران عن تفاصيل مشوقة خلال هذا الحدث، وكيف أنه بتنفيذه للمهمة بمكتومية عالية، استطاع أن يحقق ما كان يفكر به، وهو ما جعل الحسين يبعث له ببرقية شكر وثناء على جهوده.
ويكشف رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران اليوم النقاب عن قراره بمنع دخول وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر للأردن، بسبب ما كتبه في مذكراته، من تمجيد بحافظ الأسد، ونقد أساء فيه للملك الحسين.
واليوم يتحدث بدران عن تفاصيل مشوقة عن رئاسته للوفد الأردني، خلال مفاوضات مبادرة ريغان، في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وكيف أنه استطاع أن يحظى بثقة ياسر عرفات أولا، ويكسب الرهان من وزير الخارجية الأميركية جورج شولتز، الذي تحداه إن وافق عرفات على تمثيل الأردن للمنظمة في المفاوضات.

اضافة اعلان

وفيما يلي نص الحلقة الثانية والعشرين

*كنت قد رويت لي مرة موقفا سياسيا صعبا، عشته خلال احدى زيارات الراحل الحسين للصين، وبالمناسبة قد يكون ذكرها الآن شيقا، وفيه درس سياسي في غاية الأهمية؟
-هي رواية شيقة، قد تكون كذلك، أما عن أهميتها للساسة، فهذا تقييم أتركه للآخرين، في احدى المرات توجه الراحل الحسين إلى الصين، وكنت رئيسا للحكومة.
في العام 1983 فجر الروس (الاتحاد السوفياتي) طائرة ركاب كورية، قادمة من أميركا بعد أن دخلت مجال جزيرة سخالين الروسية.
وكنا أعضاء في مجلس الأمن، ومجلس الأمن يريد أن يصدر إدانة لروسيا، وكانت أجواء الحرب الباردة تسيطر على المنطقة، وتعادلت الأصوات بـ7 أصوات مع ادانة روسيا، و7 أصوات ضد الإدانة، وبقي صوتنا نحن المرجح.
وأنا من موقعي، في تلك اللحظة، أخرت قرار الأردن في التصويت، كان الملك يتجه إلى بكين، وبعث لي برقية بضرورة التصويت لصالح الإدانة، وكان رحمه الله يريد أن يتوجه بعد الصين إلى كوريا الجنوبية صاحبة الطائرة المنكوبة.
لم اتعامل مع برقية الحسين، اتصل معي من الطائرة، فأجبت مرة على الاتصال، وبعدها أبلغت مقسم الاتصالات بأن الحسين، إن عاود الاتصال، فعليهم أن يبلغوه بأني في جولة ميدانية ولا يمكنهم إيصالي به.
تذرعت بحاجتي لقرار من المجلس الوطني الاستشاري، جاءني الأمير الحسن، وكان وليا للعهد، ونائبا للملك أثناء سفره، وقال بأن الحسين غاضب من عدم ردي على الهاتف، وأنه يطلب مني سرعة التصويت لصالح الإدانة، فأبلغت الأمير الحسن بأن هذا عملي كرئيس حكومة، وعليه أن يترك لي الأمر، وأن لا يتدخل، وإذا عاود الحسين الاتصال فعليه أن يحمّلني أنا المسؤولية، وأن لا علاقة له بالأمر.
في تلك اللحظات، بدأ الراحل الحسين يمطرني ببرقيات "بهدلة" وكلام قاس بحقي، وظل يواسيني الأمير الحسن، بأنه المقصود من كلام الملك الحسين، الجارح في البرقية، وكنت أقول له بأنه لا علاقة له بالأمر، وعليه أن لا يتصرف بشيء حتى أتخذ القرار المناسب.
في تلك الأثناء، ظلت اجتماعات مجلس الأمن تتأجل، حتى يقرر الأردن موقفه من التصويت، وكنت على اتصال مع المندوب الدائم للمملكة في الأمم المتحدة عبد الله صلاح، وظل يناشدني بسرعة اتخاذ القرار، لأن الأميركان يضغطون عليه بالطلب، وبقيت متمسكا بتأجيل الاجتماع حتى اللحظة المناسبة.
الملك في الصين غاضب، وبحسب رواية من كانوا يرافقونه، فانه كان غاضبا مني بشكل شخصي كثيرا، وحاولت ليلى شرف أن تقول بحقي كلاما طيبا، وأنه لا بد أن يكون لدي أسبابي، فأنا رجل حريص وملتزم بأداء واجباتي، لكن الحسين كان يقول لها "وهو شو الي بعرفه وإحنا ما بنعرفه"!.
وبقيت أرجئ قرار الأردن في التصويت، حتى حصلت على هدفي، وكنت اعتبره هدفا مهما ولا يمكن أن أترك حقي من دون أن أحصل عليه.

*لكن هدفك كان سياسيا وليس اقتصاديا؟
-طبعا؛ سياسي بامتياز، فقد كان ارئيل شارون وزير الدفاع في الحكومة الإسرائيلية، وقد هاجم الأردن بطريقة مستفزة، وقال: "يا فلسطينيين وطنكم الأردن"، وأنه "يستطيع إرجاع الحسين لوطنه السعودية" لاحظ يقول السعودية وليس الحجاز.
كلماته تلك أشعلت النار في بدني، فكيف لواحد أرعن، مثل هذا المجنون، أن يتحدث عن الحسين بهذه الصورة.
اتصلت بالسفير الأميركي في عمان وقتها، وأبلغته بضرورة أن يرد الأميركيون على هذا الاعتداء، فنحن دولة معترف بها، وأن شارون يجب أن يُرد عليه وبسرعة، وعليكم أن تقولوا له أن "يخرس" فأنتم من يدعم إسرائيل.
فقال لي السفير، بمنتهى البرود، دعه يقول ما يريد، ولا تلتفتوا لتصريحاته، وأنا كل ما طلبته فقط إصدار بيان من الجانب الأميركي، يؤكد الاعتراف بالأردن، كمملكة ذات سيادة ومكانة.
هنا؛ انزعجت أكثر، واستدركت بأن أميركا تهتم فقط بمصالحها، ولا تلتفت لشيء آخر،  وبدأت أفكر بالطريقة المناسبة لرد الإساءة بطريقة أقسى وأحصل من خلالها على حقي.
جاءت حادثة الطائرة الكورية، وتطورت الأحداث، حتى وصلت الأمور لتصويت مجلس الأمن، وجاء الحظ ليساعدني أكثر، بأن يكون صوت الأردن هو الصوت المرجح في التصويت، على إدانة موسكو، لكن سوء الحظ، كان بأن كل تلك التطورات حصلت والراحل الحسين في الطائرة، متجها إلى بكين، ولا أستطيع أن أطلعه بما أفكر به، ولو أطلعته على فكرتي ببرقية أو اتصال هاتفي، كنت أخشى أن يتسرب الأمر وتنكشف خطتي.
فلما بلغت الأمور ذروتها، وبدأ الأميركان لا يعرفون ماذا يفعلون معنا، واحتاروا بكل شيء، فلم نطلب أي شيء، وبقينا محتفظين بالصمت طيلة تلك الأيام.
عندها جاءني السفير الأميركي ديك فييتس مسرعا، وقال: أنت ماذا تريد؟، فأنا متأكد من أنك تريد شيئا معينا، وأنا أقول لك، بأني مستعد لتنفيذ كل مطالبك، حتى ينجح التصويت بإدانة موسكو.
فقلت له طبعا أريد شيئا، وهو شيء لم تعره أي انتباه لما قلته لك، واليوم كل ما لدي هو بيان يحتفظ به وزير الخارجية مروان القاسم، وأريد أن يخرج باسم البيت الأبيض، وليس من وزارة الخارجية كما طلبت سابقا، ولا أريد تعديل أي حرف على هذا البيان، وأنتظر لحظة الإعلان عن البيان، إن تم تعديل البيان، فسأصوت لصالح الروس، وكان البيان فيه رد قاس على الحكومة الإسرائيلية، وتصريحات المعتوه شارون، التي تعرض فيها بسوء للراحل الحسين.
فورا، نهض من على الكرسي، وقال: أمهلني ساعة من الوقت، وسيصدر البيان، وبعد أن صدر البيان كما اتفقنا، قلت لعبد الله صلاح أن يصوت، ولما عاد مرة أخرى وقابلته، قال لي صلاح: كم شعر بقيمة الأردن في تلك الأيام، وكم أن العالم بأسره ينتظر منا موقفا من القضية، وكيف أن اعضاء مجلس الأمن يراقبون ماذا سنقول ونفعل.
بعدها، وعندما أبلغت الراحل الحسين بسبب تأخري بالتصويت، وعدم رغبتي في إرسال المبررات ببرقية تتسرب للإميركيين، واني حاولت الاحتفاظ بسرية ما أقوم به لضمان نجاح المهمة، شكرني وبعث لي برقية من ثلاث صفحات، واعتذر فيها عن ما وصفني به في البرقيات السابقة.

*هل صحيح بأنك وضعت وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر على القائمة السوداء ومنعته من دخول الأردن؟
-نعم صحيح؛ لكن بعد أن كان خارج عمله، في نهاية العام 1980، وكنا ننتظر استلام الرئيس الأميركي الجديد رونالد ريغان رسميا سلطاته الرئاسية، فقد جاءني في احدى المرات وزير الخارجية مروان القاسم، وقال لي بأن كيسنجر كتب في مذكراته، تمجيدا لحافظ الأسد، ونقدا أساء فيه للملك الحسين، استغربت كثيرا، فهل هذا جزاء الحسين الذي كان يخرج شخصيا لاستقباله بالمطار، لما كان يزور الأردن!.
سألت القاسم، هل يجوز وضعه على القائمة السوداء، ومنعه من دخول الأردن في أي زيارة؟ فقال نعم، وأصدرت الأوامر بذلك، ولم نبلغ الراحل الحسين.
في احدى زيارات كيسنجر للأردن، كان قادما من جنيف، طلب تأشيرة سفر إلى الأردن، وفوجئ بأنه على القائمة السوداء، وممنوع سفره لعمان، اتصل مع الراحل الحسين محتجا، على القرار، اتصل بي الملك، وقال هل هذا القرار صحيح؟ وسأل باستهجان، فقلت صحيح ولن تعود عنه الحكومة، أصر الملك الحسين على طلبه، برفع الحظر، وقلت له يستطيع ذلك لكن عندما أكون خارج الحكومة وليس رئيسا لها.
قال لي زيد بن شاكر، الذي كان بجوار الحسين لحظة اتصاله معي من العقبة، بأنه كان غاضبا جدا من ردة فعلي، وأنه كاد أن ينفجر من الغضب.
قلت للراحل الحسين إن كيسنجر أساء للأردن وملكها الحسين، ولن أسمح له بدخول الأردن.
انتهى الحوار عند هذا الحد، وبعد مدة من الزمن، بعث نائب الرئيس الأميركي، وكان جورج بوش الأب، رسالة خطية للراحل الحسين، يبلغه فيها بشكر الرئيس الأميركي رونالد ريغان للأردن على عدم إدخال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الذي كان يعتزم زيارة الأردن لإحباط مساعي مبادرة ريغان للسلام، والتي كان قد أعلن عنها في حملته الانتخابية.

*من المواقف الصعبة التي تعاملت معها في فترة حكومتك الثانية، كان الحشد العسكري السوري على الحدود مع الأردن، وقمت بتعبئة عامة، وكان لك الدور في انهاء الحشد من دون أي تفاعلات؟
-كانت العلاقة مع السوريين بدأت بالتوتر، نتيجة المواقف المتناقضة بيننا وبين السوريين خلال الحرب العراقية الإيرانية.
وقد علمنا بشأن الحشد السوري من خلال الاستخبارات العسكرية، التي وصلتها معلومات دقيقة عن الأمر، وكان الهدف هو نية السوريين بدخول الأردن عسكريا، لقطع خط الإمداد الواصل للعراق عن طريق ميناء العقبة.
وطبعا، الأمر بالنسبة لنا لم يكن بسيطا، فنحن لا نريد الحرب مع السوريين، ولا نريد للعلاقات أن تتوتر أصلا.
طلبت من الشريف زيد بن شاكر، وقتها، القائد العام للقوات المسلحة، بأن يحشد على الحدود السورية، فقال إن لديه غطاء قوة مكشوفا، وإنه لا يستطيع تفريغ الجبهة الغربية مع إسرائيل.
واقترحت التعبئة العامة، لكن من دون إعلان، وبدأنا من خلال المخاتير وشيوخ ووجهاء العشائر بإخبار الأسر التي عندها شباب في عمر التجنيد.
وفعلا بدأ الشباب يتوافدون من دون أي تردد، وكانت النسبة الأعلى من مخيم الوحدات، الذي ضبطنا خروج رسالة منه، وموجهة لياسر عرفات، يبلغونه فيها بأن أي تدخل منه لصالح سورية على حساب الأردن او رغبة بالتخريب فإنهم سيحرقون الأرض من تحت أقدامه.

*في تلك الفترة اشتبكت مبكرا مع مبادرة أميركية في حل القضية الفلسطينية، وذهبت إلى واشنطن وفاوضت باسم الفلسطينيين خلال اجتماعات مبادرة ريغان هناك؟
-أستطيع القول لك، بأن آخر الأيام لي في الحكومة الثانية، استطعت نيل ثقة ياسر عرفات، وذلك لأنه اكتشف أخيرا بأني لا أراوغ، وأنا صادق في مواقفي، وأن ما أريده فعلا هو إحراز تقدم بملف الحل للقضية الفلسطينية.
بالنسبة لي، هذه توجيهات الملك الحسين لي، ونفذت توجيهات جلالته وفق ثقته بي، صحيح أنني لم أكن مؤمنا بكل حديث المفاوضات والسلام، لكن الملك وجهني وأنا التزمت.
وتعاملت مع الأمر بطريقتي، فأنا لا أكذب ولا أجامل ولا أراوغ، ذهبت لواشنطن بعد أن جرى اتفاق بيني وبين ابو عمار على الأمر، والاتفاق كان أن موافقة الجانب الفلسطيني ستكون في حال أن اجتماعات واشنطن ستعيد لهم الحقوق من الاحتلال الاسرائيلي.
لقد استنزف مني ذلك جهدا ووقتا، وكل ذلك استغرق وقتا طويلا، حتى أني تأخرت عن اللحاق بالراحل الحسين في الزيارة المفترضة للولايات المتحدة، ولم أغادر عمان إلا بعد أن أخذت موافقة أبو عمار المبدئية.

*لكن مفاوضات واشنطن بدأت تحت عنوان مبادرة ريغان للتوصل لاتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟
-صحيح؛ بدأت تلك المفاوضات نتيجة لمبادرة طرحها الرئيس رونالد ريغان في ولايته الأولى، طبعا أميركا قالت انها لا تريد الاجتماع مع منظمة التحرير الفلسطينية، لأن اسرائيل ترفض الاعتراف بها، كما أن الفلسطينيين لا يعترفون بإسرائيل لأنها دولة احتلال.
وكان الاقتراح بأن تذهب الأردن للاجتماعات، وتأخذ معها مواطنين من الضفة الغربية، لكنهم ليسوا بارزين كأعضاء في المنظمة.
المفاوضات جرت على جلستين، الأولى ذهبنا وسمعنا ما يقدمه الأميركيون، وعرفنا جوهر مبادرة ريغان، ثم عدنا لعمان، وبدأت برحلة مع أبو عمار، أحاول أن أقنعه بأن يمثل الأردن الفلسطينيين، والولايات المتحدة تمثل الإسرائيليين، حتى يتسنى لنا "أكل العنب وليس مقاتلة الناطور"، وكان عرفات يصر، على أنه يريد أن يذهب هو، فقلت له لو ذهبت أنت، فأنا عندها لا داعي لذهابي، لكن المشكلة هي في ذهابك، وقبول اميركا واعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية.
بقيت مع ابو عمار حتى اقنعته بجدوى المحاولة، كما قلت لك سابقا، واقتنع أخيرا وذهبنا لواشنطن في الجلسة الثانية، بعد نحو 3 أشهر، للبحث عن صيغ عملية لإنهاء احتلال الضفة الغربية والقدس.
ترأست أنا الوفد الأردني، وكان معي مروان القاسم وعدنان ابوعودة وسفيرنا في واشنطن عبد الهادي المجالي، وكان معنا أيضا شخصيات من المنظمة، أذكر منهم خالد الحسن رحمه الله (ابو السعيد).
وترأس الوفد الأميركي وزير الخارجية جورج شولتز، كانت مفاوضات طويلة وشاقة ومضنية، وخضتها حتى النفس الأخير.
ما أفسد كل تلك المفاوضات هو تعبير الأميركيين عن رغبتهم في منح الفلسطينيين حكما ذاتيا، وكانت ذريعتهم، ان ذلك يأتي حتى يتمكن الفلسطينيون من حكم أنفسهم خلال تلك المرحلة الانتقالية كما قالوا عنها.
بالنسبة لي رفضت، وقلت بأن الفلسطينيين قادرون على حكم أنفسهم، فمنهم وزراء في الحكومات الأردنية، أثبتوا كفاءة وجدارة عالية.
لكن، ولكي لا أكون قد قطعت الطريق، طلبت أن تكون هذه المرحلة منصوصا عليها زمنيا لمدة عام في الاتفاق الذي نتباحث بصدده.
ورفضت إطالة أمد الحكم الذاتي، ما يعيد تجربة مصطفى دودين في روابط القرى، وهي نظام أحدث ارباكا في إدارة الضفة الغربية، وأوقفناه بالقوة، واتهمنا دودين بالتعامل مع العدو بناء على إصراره على العمل بها.
كان هدف الأردن البحث عن مخرج لانسحاب الإسرائيليين من الضفة الغربية والقدس، لكني أيضا مقتنع بأن الإسرائيليين يريدون تطبيق شعار مناحيم بيغن خلال ترشحه في الانتخابات. عندما كنت في المخابرات ورصدت الانتخابات الإسرائيلية، فقد أرسلت عددا من ضباط المخابرات العتاة في التحليل، وقدموا لنا تقارير تفصيلية عن مجريات الانتخابات تلك، وكان شعار بيغن: "بقاء الفلسطينيين على أرض اسرائيلية في الضفة الغربية"، وهي الدعاية الانتخابية التي رصدناها جيدا، وعرفنا بأن الناخبين كانوا من أغلبية الضباط، الذين يحملون رتبة رائد فما دون، وهو ما أقلقنا في تلك المرحلة، لأن مستقبل هؤلاء متى ما تسلموا المسؤولية خلال ارتقائهم بالرتب العسكرية، هو تطبيق مثل هذه الشعارات المتطرفة".
المهم، أبلغت الأميركيين بأن علي الذهاب لمنظمة التحرير الفلسطينية، لأخذ رأيها في الأمر، فامتعضوا كثيرا، فقلت إذا علينا أن نأتي بهم إلى هنا، وهم ليسوا بعيدين. غدا سيكون معنا خالد الحسن الموجود في ذات الفندق في الطابق الثالث، حيث كانت المفاوضات في الطابق الرابع، كما أنهم (الاميركيون) لا يستطيعون فرض علي أعضاء الوفد الأردني، فقالوا لكنه ليس أردنيا، قلت غدا أصدر له جواز سفر أردنيا.
كان معنا في الجانب الأميركي، بعد أن غادر شولتز، فيليب حبيب مندوبا عنه، فقال لي: إن جئت بخالد الحسن فإني لن أرى فيليب في الاجتماع، سألته لماذا؟ فأجاب لأنه سيكون "مكحوشا" من عمله.
وكان بالنسبة لي، الذهاب لواشنطن والتفاوض باسم الفلسطينيين، تحديا بيني وبين وزير خارجية ريغان جورج شولتز، الذي راهن على قطع يده في اللقاء الأول، إن وافق ابو عمار، على أن يفاوض الأردن باسمه وباسم منظمة التحرير الفلسطينية، ولما عقدت الاجتماعات في الجولة الثانية، بعد نحو 3 أشهر، قلت له بأنه مطلوب منه الاعتراف بأنه خسر ما راهن عليه، وفعلا اعترف بأنه تفاجأ من الأمر.
لكن اللافت في تلك الاجتماعات، كان لما افتتح الراحل الحسين والرئيس ريغان المحادثات في الجلسة الأولى، كيف أن ريغان قرأ بيانا جميلا، عن ظهر قلب، في افتتاح المحادثات، وبعدها بقي صامتا طوال الجلسة الافتتاحية.
ولما سألني الحسين، قلت له بأنه ممثل بارع، يحفظ الأدوار عن ظهر قلب، تفاجأ الحسين لكنه أقر لي بصحة ما قلته بعدها.

[email protected]

 

تنويه من الدكتور عبد الحميد الصباغ

عطفا على ما جاء في الحلقة العشرين، من "سياسي يتذكر"، أود توضيح ما جاء على لسان دولة السيد مضر بدران.
إن "ساندرو بيرتيني"، لم يتقلد منصب رئيس الوزراء في إيطاليا، وعندما زار المملكة، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، كان رئيسا للجمهورية.
وأمضى الرئيس المعروف حياته السياسية نائبا عن الحزب الاشتراكي، ثم انتخب رئيسا لمجلس النواب الإيطالي، وانتخب بعد ذلك في منتصف سبعينيات القرن الماضي، رئيسا للجمهورية، بعد استقالة "جيوفاني ليوني".
والرجل الذي يقصده دولة السيد مضر بدران، هو في اعتقادي "جوليو اندريوتي"، وهو رئيس الوزراء الإيطالي المخضرم، والذي تحدث عن شاه إيران محمد رضا البهلوي، في كتابه "رأيتهم عن قرب"، بالمعنى الذي تحدث عنه السيد بدران، وكما قرأت الكتاب في النص الأصلي في اللغة الإيطالية.
الدكتور عبد الحميد الصباغ