بعد وفاة طفل غرقا.. البحث عن حل لذوي التوحد

رسم تعبيري لطفل مصاب بالتوحد-(أرشيفية)
رسم تعبيري لطفل مصاب بالتوحد-(أرشيفية)
نادين النمري عمان - أعادت قضية غرق طفل في سيل الزرقاء تسليط الضوء على معاناة أهالي أطفال من ذوي التوحد تحديدا والأكثر فقرا لجهة غياب الدعم لهذه الفئة من الأطفال وذويهم وهي المعاناة التي فاقمتها جائحة كورونا نتيجة الإغلاقات المتكررة لقطاعات الرعاية والتعليم. وكان عثر على الطفل "حمزة" ذي التسعة أعوام متوفى بعد غرقه في سيل الزرقاء، وأرجعت والدته في اتصال هاتفي مع راديو "فن إن" سبب وفاة ابنها لـ "رفض إدخاله إلى دور الرعاية الإيوائية لعدم قدرتها على رعايته بسبب إعاقته الشديدة وعدم قدرة أسرتها الاقتصادية على توفير الرعاية". وفي وقت يرى مختصون أن الرعاية الإيوائية ليست حلا إطلاقا لحالة الأطفال ذوي الاعاقة خاصة ذوي التوحد، أشاروا إلى "صوابية قرار وزارة التنمية الاجتماعية رفض إدخال الطفل إلى دورها الإيوائية باعتبار أن المكان الأنسب لنمو الطفل ونشأته هو ضمن أسرته وهو ما يتماشى مع إستراتيجية بدائل دور الإيواء"، لكنهم شددوا في الوقت نفسه على توفير الدعم والمساندة للعائلات لتمكينها من توفير الرعاية اللائقة لأطفالها. وكانت وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أطلقت نهاية العام 2019 الإستراتيجية الوطنية لبدائل دور الإيواء الحكومية والخاصة المتخصصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، والتي من شأنها أن تفكك خلال عشرة أعوام البيئات المقيدة والعازلة في الدور الإيوائية وتحويلها إلى بيئات ومؤسسات نهارية دامجة. ويبين هؤلاء الخبراء أن أبرز الإشكاليات التي تواجهها الأسر تكمن في عدم توفير مراكز نهارية لتأهيل وتمكين الأطفال ذوي الإعاقات الشديدة فضلا عن كلفتها العالية في حال توفرت، إضافة إلى الأعباء الإضافية التي ألقيت على عاتق الأهالي جراء الإغلاقات وإجراءات الحظر الشامل التي شملت إغلاق مؤسسات الرعاية والتعليم ما ضاعف من من أعباء الأسر، نتيجة رعاية أطفالها ذوي الإعاقة ومتابعة تعليم أطفالهم الآخرين من المنزل بسبب توقف التعليم الوجاهي. يقول أمين عام المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة مهند العزة إن "عائلة الطفل المتوفى تعاني حالة فقر شديد وبالتالي فإن ذلك يجعل هناك محدودية في الوصول إلى الخدمات المتاحة". ويضيف، "الإشكالية الأخرى أن الإعاقة لدى الطفل شديدة، مشيرا إلى أن "غالبية المراكز النهارية لا تستقبل الأطفال ذوي التوحد الشديد والإعاقات الشديدة لأسباب تتعلق بالكلف والجدوى الاقتصادية، خصوصا أن جميع هذه المراكز هي مراكز خاصة ويتم احتساب جدوى عملها من الناحية الاقتصادية البحتة". وأكد الحاجة لـ "مراكز نهارية للأشخاص ذوي الإعاقة الشديدة وبأسعار رمزية أو مجانية للعائلات غير القادرة"، لافتا إلى أن وزارة التنمية الاجتماعية والمجلس يعملان حاليا وضمن خطة نظام بدائل دور الإيواء على "إنشاء مراكز تحت مسمى الاستراحات القصيرة لاستقبال البالغين والأطفال من ذوي الإعاقة الشديدة والمتوسطة ولتقديم برامج تأهيلية وتدريبية خلال النهار، إضافة غلى تدريب وتأهيل الأسر على كيفية التعامل مع أبنائهم". وأوضح أن مراكز الاستراحات القصيرة هي تجربة مطبقة في العديد من دول العالم لحل إشكالية رعاية الأهالي لأبنائهم من ذوي الإعاقة الشديدة وبالتالي لن يضطروا إلى خيار المراكز الإيوائية". من جهتها تبين الخبيرة في حقوق الإنسان وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المحامية كريستين فضول، أن رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة هي "مسؤولية المجتمع ابتداء بالأسرة مرورا بالنظام الصحي والمنظومة التعليمة والمجتمع المحيط". وتبين أن العديد من الأسر تعاني نتيجة عدم توفر خدمات الرعاية النهارية الكافية لابنائهم وارتفاع كلفها في القطاع الخاص، لذلك كثيرا ما نرى أن أحد الوالدين يتخلى عن عمله لرعاية الطفل وبالتالي يتراجع الوضع الاقثصادي للأسرة. وقالت، إن تداعيات جائحة كورونا "ضاعفت الأعباء على الأسر نتيجة إجراءات الحظر الشامل وتقييد حركة الأبناء والإغلاقات المتقطعة والمتكررة للمراكز النهارية الخاصة بذوي الإعاقة وزاد الضغط على الأسرة". وأشارت إلى أن بعض الأسر "اختارت التخلي عن رعاية أبنائها لعدم قدرتها أو عدم رغبتها في الرعاية"، ولمواجهة هذه المشكلة مشيرا إلى أن هناك "حاجة ماسة لتوفير الدعم للأسر بدءا بخدمات التوعية والارشاد، إضافة خدمات التأهيل والتدريب والإدماج للأشخاص ذوي الإعاقة وذوي التوحد". وتقترح فضول إنشاء صندوق متخصص ضمن خطة بدائل دور الإيواء بحيث "يوفر هذا الصندوق الدعم المالي لتغطية نفقات الأشخاص ذوي الإعاقة وذوي التوحد من غير القادرين ماديا وذلك لإشراكهم في مراكز نهارية متخصصة تعمل على تأهيلهم وتدريبهم وإدماجهم في المجتمع على أن تكون تلك المراكز مجانية أو برسوم رمزية لغير المقتدرين". وبينت أن الدعم المجتمعي والدعم الحكومي سيساهم بكل تأكيد في توفير حماية أكبر للأشخاص ذوي الإعاقة بما في ذلك حمايتهم من الإهمال والتعرض لحوادث قد تؤدي بحياتهم. وبحسب تقرير تحليل بيانات مكاتب الخدمة الاجتماعية في إدارة حماية الأسرة الصادر عن وزارة التنمية الاجتماعية للعام 2020 والذي حصلت "الغد" على نسخة منه فقد بلغ عدد حالات العنف التي تعاملت معها المكاتب خلال العام الماضي 48 حالة، 54 % منها إهمال، يليها 38 % إساءة جسدية، و 6 % إساءة جنسية و2 % إساءة نفسية. وكانت الفئة العمرية 15 إلى 18 عاما من الأشخاص ذوي الإعاقة الأكثر تعرضا للعنف الأسري وفق بيانات إدارة حماية الأسرة، وكانت الإناث أكثر عرضة للعنف مقارنة بالذكور بواقع 30 للفتيات مقابل 18 حالة واقعة على ذكور. وكان الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية الأكثر عرضة للعنف بواقع 73 % من حالات العنف المبلغ عنها، كما كان المعنف في 39 % من الحالات هو الأب بواقع 19 حالة تلته الأم بواقع 16 حالة . ويبلغ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة المقيمين في دور رعاية إيوائية الحكومية والخاصة نحو 1471 فردا، فيما ألزم القانون وإنفاذاً لأحكام قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لسنة 2017، وزارة التنمية الاجتماعية بالتنسيق مع المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة بإعداد خطة وطنية شاملة يتم تنفيذها على مدار 10 أعوام لإنهاء وتحويل المنظومة الإيوائية في المملكة إلى منظومة دامجة من خلال تهيئة البيئة المادية والسلوكية وتوفير الترتيبات التيسيرية ومتطلبات تحقيق العيش المستقل اللازمة للأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك وصولاً لمجتمعات شاملة تستوعب التنوع والاختلاف.اضافة اعلان