"أطفال التوحد" واستبعاد من التعليم الالكتروني

أطفال التوحد -(تعبيرية)
أطفال التوحد -(تعبيرية)

نادين النمري

عمان- ثلاثة أسابيع مرت منذ اعلان عطلة المدارس كإجراء احترازي لمحاربة وباء الكورونا المستجد، باشرت خلالها وزارة التربية والتعليم بتطبيق برامج التعليم عن بعد والتعليم الالكتروني، لكن الطلبة التوحد بقوا خارج منظومة التعليم الجديدة بحسب الأهالي.

اضافة اعلان

“أوس” طفل يبلغ من العمر 9 أعوام انقطع عن التعليم بشكل تام منذ ثلاثة أسابيع بحسب والدته التي تبين أن ابنها ملتحق بمدرسة دامجة ويستفيد من خدمات غرفة المصادر، لكنه منذ عطلة المدارس لم يتم ارسال أي مواد خاصة لطفلها إنما الاكتفاء بفيديوهات يتم ارسالها لزملاءه في الصف.

تقول والدة اوس، تبلغ تكلفة المادة الواحدة في غرفة المصادر 500 دينار اضافية، اي ما مجموعة 2500 دينار تدفع سنويا اضافة الى القسط، خلال فترة الثلاثة أسابيع لم نتلقى أي فيديوهات أو ارشادات خاصة للخطة الفردية التي من المفترض أن تكون المدرسة قد وضعتها لابني.

بعد تواصلها مع المدرسة تم ابلاغ الأم أن المتوفر حاليا هو ما يتم ارساله فقط عبر الايميل من فيديوهات وأوراق عمل، طالبين من الأم المتابعة مع ابنها وفق قدراته.

ترى أم أوس أن ابنها وزملاءه من طلبة طيف التوحد باتوا مهمشين ولا أحقية لهم في هذه العملية التعليمية التي لم تراعي احتياجاتهم الفردية.

وتعرف منظمة الصحة العالمية اضطرابات طيف التوحد باعتبارها مجموعة من الاضطرابات المعقدة في نمو الدماغ. ويتناول هذا المصطلح الشامل حالات من قبيل مرض التوحد واضطرابات التفكك في مرحلة الطفولة ومتلازمة آسبرغر. وتتميز هذه الاضطرابات بمواجهة الفرد لصعوبات في التفاعل مع المجتمع والتواصل معه، ومحدودية وتكرار خزين الاهتمامات والأنشطة التي لديه.

ولأن اضطراب التوحد له أطياف مختلفة وخصائص تختلف من طفل الى أخر فإن درجة التفاعل والاستفادة من برامج التعليم عن بعد تختلف من طفل الى أخر، فزيد الطالب في الصف السادس تم تشخيصه بعمر السنتين بفرط الحركة وطيف التوحد بدا أكثر استفادة من اقرانه.

تقول والدته نانسي “ابني ملتحق بصف دمج كلي لا يعتمد على غرف المصادر، رغم أنه يتابع دروس التعلم عن بعد لكن أستطيع القول أن المستوى أضعف مما كان عليه سابقا”.

وتبين “يتعلم ابني عن طريق المجموعة اكثر من التعلم الفردي، كما ان هناك تفاوت في المواد فيما يستمتع بالتعليم عن بعد بالمواد الادبية كاللغة العربية والانجليزي خصوصا انها مواد مسجلة ويستطيع مشاهدة التسجيل لاكثر مرة حتى تصل الفكرة لكنه واجه مشكلة في مادة الرياضيات على سبيل المثال والتي تتطلب تواصلا مباشرا مع المعلمة”.

لكن نانسي تلفت الى تحديات أخرى يواجهها أهالي أطفال التوحد وفرط الحركة، وتقول “نحن كأهالي نتشارك في مجموعات دعم ومؤازرة، الوضع الاستثنائي الحالي فرض على الأهالي ضغوطات وأعباء مضاعفة تتعلق بمتابعة العملية التعليمية، غالبية الاسر لديها 3 أطفال فأكثر يقع الأهالي في مأزق عدم توفر الوقت والمهارات الكافية لمتابعة العملية التعليمية لابنائهم وفق احتياجاتهم.

لا تنحصر اشكالية التقصير في تزويد الأهالي بمواد تعليمية عن بعد في المدارس الدامجة بل هي ظاهرة بشكل أكبر في المراكز الخاصة النهارية لأطفال التوحد.

تلتحق ياسمين، وتشخصيها توحد شديد، بمركز نهاري متخصص للتوحد، تقول والدتها “ادرك تماما أن فكرة التعلم عن بعد لن تجدي نفعا في الوقت الحالي مع ابنتي، لكن أقلها كنت أمل أن يقوم المركز بارسال فيديوهات للاهالي من شروحات لتنفيذها مع أطفالنا”.

وتقول “أبلغنا المركز انهم ليسوا مهيئين لاعداد فيديوهات متخصصة للاهالي، يكتفون حاليا بإرسال فيديوهات من مواقع مثل يوتيوب تتعلق بجلسات النطق وتعديل السلوك”.

وتتسأل “ما الداعي اذن لدفع مبالغ طائلة كاقساط للمركز إن كان ما نحتاج له متوفر على مواقع الكترونية مجانية”.

ليس التعلم فقط هو الهاجس الاكبر لأهالي أطفال التوحد، بل ان أسوا ما يخشاه الأهالي أن يتعرض أطفالهم الى انتكاسات سلوكية واجتماعية بسبب انقطاعهم عن الروتين اليومي.

تقول هلا وهي ام لطفل في الثامنة من العمر مشخص باضطراب التوحد وفرط الحركة كذلك “لدى ابني روتين يومي معتاد عليه يشمل هذه الروتين الاستيقاظ مبكرا، الذهاب الى المدرسة وبعد المدرسة يلتحق يوميا بنشاطات مختلفة لتفريغ الطاقة الكبيرة لديه من دروس السباحة وجلسات متخصصة لتعديل السلوك والعلاج الوظيفي والنطق.

وتبين “حاليا كل هذه النشاطات متوقفة، الجحر لطفل التوحد تحدي كبير جدا، هو بحاجة لمساحة للحركة وتفريغ الطاقة أحيانا يتحول هذا الاحباط الى نوبات غضب يصعب السيطرة عليها”.

تعمل هلا حاليا على تطبيق الجلسات داخل المنزل لضمان أن لا يحدث انتكاسه في التطور السلوكي والاجتماعي لطفلها. لكنها في ذات الوقت تقر بصعوبة تطبيق هذه الجلسات داخل المنزل.

من الصعب أن يدرك الأخرون التبعات السلبية للحجر وتغيير الروتين على أطفال التوحد، يقول منذر والد لطفل توحد، “تسبب تغيير الروتين المفاجئ بتغيير في السلوك واضطراب في النوم، هو دائم الحركة وقليل النوم في هذه الأيام، أحاول التعامل مع التحدي لكن الأمر صعب”.

يقول منذر ربما الأكثر صعوبة عندما تصلك من جارك رسالة على الهاتف الخلوي “اذا مش عارف تربيهم، احنا برنبيهم” احتجاجا على الأصوات والركض المستمر للاطفال في المنزل”.

ويتابع “جميع الاطفال تأثروا سلبا بالتقييد وقلة الحركة، الامر يترك أثرا أكبر على أطفال التوحد، خصصت احدى الغرف في المنزل حتى يمارس بها طفلي اللعب وتفريغ الطاقة بالركض لكن يبدو ان الامر اثار استياء الجيران”.

وحول تقييم برامج التعلم عن بعد تقول مستشارة برنامج الدمج في منظمة انقاذ الطفل كارول جدعون لـ”الغد” إنه “من الصعب الأن تحديد ان كان التعلم عن بعد فاعل أم لا فهناك عدة عوامل تحكم ذلك، يعتمد الامر على نوع التحدي لدى الطفل، ووجهتي نظر الأطفال انفسهم وأسرهم”.

وتوضح “قد يكون في بعض حالات التوحد التعليم عن بعد فعال لكنه من ناحية أخرى فإن التعلم عن بعد يحرم الطفل من الاندماج وتطوير مهاراته الاجتماعية والتواصلية ليكون فردا مندمجا وفاعلا في مجتمعه”.

وتتابع “يعد كسر الروتين المفاجئ كذلك تحدي كبير لاطفال التوحد وقد يشكل ذلك نكسة في قدرتهم على التعلم”.

مع ذلك تبين جدعون “نحن الأن أمام حالة استثنائية تستوجب اجراءات محددة لحماية الصحة العامة، وخلال هذه الفترة تم اتخاذ خطوات في فترة زمنية قصيرة مهمة لتفعيل برامج التعليم عن بعد والتعليم الالكتروني، ويمكن تكييف هذه البرامج بما يتناسب مع الاحتياجات الخاصة للاطفال، مثلا تعزيز التعليم عن طريق اللعب، وتعزيز برامج التعليم عن بعد التفاعلية والتي بالمحصلة ستعمل على تنمية المهارات لدى الاطفال سواء أطفال التوحد، فرط الحركة أو غيرهم.

أما ما يتعلق بالاشكاليات الناجمة عن كسر الروتين ومحدودية الحركة لأطفال التوحد، فتنصح جدعون باستخدام العاب لتفريغ الطاقة من الاشياء المتوفرة في المنزل، وخلق انشطة لخدمة احتياجات الطفل.

تؤكد جدعون أهمية ايجاد روتين ثابت للطفل بوضع جدول مصور للطفل يحدد وقت الاستيقاظ من النوم وجبات الطعام، متابعة الدروس واللعب.

كما تنصح بتقسيم وتجزئة المهام المطلوبة من الطفل حتى لا يشعر بالضيق والملل.

وأخيرا تنصح جدعون أهالي أطفال التوحد وفرط الحركة بالاهتمام بصحتهم النفسية أولا، مبينة “في حال شعرتم بالتوتر والقلق سينتقل هذا الشعور الى أطفالكم”.

من جانبه يبين الامين العام للمجلس الأعلى لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة الدكتور مهند العزة إن “أعباء مضاعفة يواجهها أهالي لاطفال التوحد في الوقت الحالي”، لافتا الى أن المجلس تلقى العديد من الاتصالات من أهالي تتعلق بالصعوبات التي تواجهها الاسر نتيجة كسر روتين الاطفال ومحدودية الحركة.

ويزيد “تلقينا طلبات للحصول على تصاريح تنقل من الأهالي، رغم ادراكنا لاهمية الحركة للطفل لكن الاشكالية تكمن في أن أطفال التوحد وبسبب تناولهم علاجات معينة فإنه في حال اصابتهم بالفيروس سيكونون أكثر تأثرا من غيرهم، ينطبق الحال كذلك على أطفال متلازمة داون والشلل الدماغي والتصلب اللويحي”.

ويتابع “لذلك نصحنا الاهالي بتخصيص مكان في المنزل ليكون بمثابة مساحة أمنة للاطفال للتحرك بها وتفريغ طاقتهم أو الخروج للحديقة، سطح المنزل أو الكراج مع ضمان الرقابة وتوفر مستلزمات الحماية”.

العزة كشف كذلك عن خدمة مجانية تحمل تكاليفها المجلس بالتعاون مع منصة حبايبنا لتوفير الاستشارات للاهالي عبر شبكة للمنصة من خبراء العلاج سلوكي، ويبين العزة “ممكن للاهل التواصل مع رقم الهاتف المخصص وتعبئة نموذج الطلب للحصول على الاستشارة وبعض التدريبات لاجراء جلسات العلاج السلوكي ضمن الامكانات المتوفرة داخل المنازل.

أما مشكلة التعلم عن بعد، يبين العزة أن “كل طفل من أطفال التوحد يحتاج الى خطة تعليمية خاصة بالتالي لا وجود لرزمة واحدة يمكن استخدامها لكل أطفال التوحد او لكل أطفال الاحتياجات الخاصة”.

وحول وصول شكاوى تتعلق بالتعليم، يوضح العزة الى انه لغاية اللحظة لم ترد الى المجلس أي شكاوى تتعلق بتوقف التعليم لأطفال التوحد من الأهالي.