تربويون يحذرون من الخطر السلوكي: مدارسنا لا تحارب العنف

جانب من عنف الطلبة باليوم الدراسي الأول بإحدى مدارس مادبا- (ارشيفية)
جانب من عنف الطلبة باليوم الدراسي الأول بإحدى مدارس مادبا- (ارشيفية)

مجد جابر

عمان- حمل خبراء تربويون كلا من الأسرة والمدرسة مسؤولية ما شهدته ساحات وأروقة مدارس من حالات عنف في اليوم الدراسي الأول، وبمختلف المحافظات، محذرين من أن من شأن ذلك أن يشكل خطرا حقيقيا على البيئة التعليمية، مع تمدد "العنف" نحو الأهالي والأكاديميين، على غرار ما حدث في جامعة آل البيت.اضافة اعلان
وفيما تغيب النشاطات اللامنهجية التي من شأنها المساهمة في تفريغ الطلبة لطاقاتهم، انتقد الخبراء غياب دور الإرشاد الاجتماعي في المدارس، داعين إلى دراسة العوامل التي تعزز العنف لدى الطلبة، ووسائل مواجهته، خصوصا وأنه "قد يستمر معهم مع مرور الوقت لمراحل متقدمة في حياتهم".
ومع إيمان هؤلاء الخبراء، في أحاديثهم لـ"الغد"، بأن المشكلة موجودة، إلا أنهم أكدوا في الوقت ذاته أن "دواءها متوفر، إذا ما كانا هناك إرادة حقيقية للقضاء عليها، يرافقها برامج حقيقية تستند إلى دراسات علمية للواقع الاجتماعي الأردني بشقيه التعليمي والأسري".
وبالعودة إلى اليوم الدراسي الأول في مدارس بالمملكة، فقد تحولت حالة الابتهاج التي من المفترض أن يعيشها الطلبة إثر عودتهم إلى عرينهم الدراسي، ولقائهم أسرتهم الصفية، من طلبة ومعلمين، لأعمال شغب وتخريب في مدرستين بالزرقاء ومادبا، والتي شكلت وزارة التربية على إثرها تحقيقا انتهى بنقل معلمي مدرسة الفيصلية إلى مدارس أخرى.
نقل هؤلاء المعلمين كإجراء عقابي، هو تأكيد على غياب دورهم الحقيقي في رفد الطلبة بما يحتاجونه من معرفة للتعامل مع مدرستهم، خصوصا وأن سلوكهم كان سلبيا تجاه الحيلولة دون قيام الطلبة بتعنيف مدرستهم وتخريبها، ومن هنا يحمل الخبراء المدرسة بكادرها التعليمي مسؤولية ما يحدث في المدارس.
ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة في المدارس؛ حيث قام مجموعة من الأهالي بالاعتداء على مديرة المدرسة والمعلمات في منطقة حي الأمير عبدالله/قضاء الضليل (الزرقاء)، فقد تعاونوا في "تكسير وإتلاف ممتلكات المدرسة"، بالإضافة لاستخدامهم الألفاظ النابية، ووقع هذا الاعتداء عقب تأدية الطلبة امتحان الإكمال لبعض المواد الدراسية.
وشهد اليوم الدراسي الأول أيضا، قيام مجموعة من العاملين في جامعة آل البيت (المفرق) ويبلغ عددهم 26 موظفا إداريا و4 أكاديميين باقتحام مكتب رئيس الجامعة وطرده، معترضين على قرار مجلس الأمناء بتنسيبه وتجديد رئاسته.
مستشار الطب الشرعي والخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة، الدكتور هاني جهشان، يرى أن عنف الفتيان والعنف المدرسي والعنف الجماعي، ليست مشاكل "مستعصية" لا يمكن التغلب عليها، بل من المستطاع تحديد جذورها وأشكالها وعواقبها، وبالتالي التخلص منها، إذا توفرت الإرادة الحقيقية، والبرامج المهنية القائمة على الأبحاث المسندة للواقع المجتمعي.
ومع ملاحظة الكم الهائل من الدعوات بعقاب الطلاب "مرتكبي العنف في مدرسة الفيصلية/ مادبا" عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، يؤكد أن ذلك وحده ليس الحل، إنما الوقاية على المستوى الوطني ومنع التكرار، فلم يثبت أن تشديد العقوبة على الطلاب يردع مستقبلا تكرار العنف، من دون العمل على المسارات الوقائية التي تتعامل مع جذور عنف الفتيان.
من مادبا إلى إربد والمفرق ومعان إلى العاصمة، ففي اليوم الدراسي الأول وقعت أحداث عنف ضد المعلمين وضد الممتلكات المدرسية وإهمال من قبل الطلبة، وفق جهشان، الذي يبين أن وزارة التربية والتعليم هي المسؤول عن التخطيط والتنفيذ والرصد والتقييم لبرامج تستهدف تحقيق مصلحة الطفل والحفاظ على حقوقه. ويبين أن كل من أخفقوا في تنفيذ استراتيجيات التربية والتعليم وبرامج المناهج اللاعنفية، وناهضوا ثقافة العنف والتعصب والتفرقة، يكونون المحور الأساسي بهذه المشكلة.
ويضيف، أن هنالك إخفاقا بنشر ثقافة الانتماء الإيجابي للوطن وللمجتمع المحلي وللمدرسة، وفي نشر ثقافة الحفاظ على الممتلكات العامة، وفشل في رفع كفاءة المعلمين في مجالات المعرفة والتواصل، وأيضا برامج الإرشاد النفسي- الاجتماعي كانت غائبة أو متعثرة بشكل شبه مستمر.
جذور عنف الطلاب الذي شاهدناه في اليوم الأول ما هي الا تعاضد للإخفاقات المشار اليها أعلاه وحصرها بسلوكيات الطلاب السلبية ولوم أهلهم لا يدل الا على تحليل رد فعل انفعالي، يمكن تقبله مرحليا، لكنه بعيد كل البعد عن التحليل العلمي الحقيقي.
وأكد مدير موقع "الأوائل" الأكاديمي، حسام عواد، ضرورة أن تكون المدرسة مكاناً جاذباً للطلبة، وهذا يدفع للتفكير مليّاً بتوفير أسباب التعلم الممتع، وتطوير البناء المدرسي وتحسين مظهره وتوفيره بيئة مناسبة للطلاب، بالإضافة الى توفير أنشطة مدرسية تناسب ميول الطلبة.
وذهب لأهمية عدم حصر عملية تقييم الطلبة بالعلامة المدرسية، واستيعاب ثقافة (الذكاءات المختلفة) للطلبة، وتفعيل النوادي الطلابية في المدرسة سواء كانت (اجتماعية، ثقافية، فنية، علمية، رياضية، دينية، أو إعلامية)، وفق عواد.
كما يشير الى ضرورة وجود كادر متخصص بقسم الأنشطة في المدرسة، وألا يناط الأمر بمعلم المواد؛ حيث يقوم هذا القسم بتصميم خطة سنوية تتضمن إطلاق فعاليات وأنشطة، زمنيا في: الأعياد الوطنية، اليوم المفتوح، بداية الدوام)، ومكانياً في (البازار، المعرض، المسرح، الإذاعة المدرسية، المسابقات)، وإلكترونيا: (صفحة المدرسة وموقعها الإلكتروني).
ولا يغفل عواد أهمية تأهيل المعلم وتمكينه من التدريس باستخدام الأساليب الحديثة في التعليم، وتوثيق علاقة المعلم بولي الأمر، والطالب بالمشرف والإدارة المدرسية، حيث وجود دائرة العلاقات يجعل المعلم والمدرسة مطلعين على ظروف الطالب.
إلى ذلك، التخفيف على المعلم من الأعباء الإدارية، والنصاب الأكاديمي اليومي، لإعطائه فرصاً لممارسة دوره التربوي، الى جانب ضرورة تحفيز الطلبة بالتكريم والتقدير، لتشجيعهم على الجد والإبداع والتميز بشتى المجالات.
ويعتبر أن ما حدث في مدرسة الفيصلية، يدل على أن إجراء التشكيلات الأكاديمية والإدارية قبل الدوام بأيام عدة، أسهم في المشكلة، وأيضاً غياب الاهتمام بأول يوم دراسي ساعد على عدم وجود لجان استقبال طلبة وإرشادهم وتوجيههم للغرف الصفية، ومثال على ذلك، عدم وجود ثقافة الاحتفال باليوم الدراسي الأول وغياب المنسقين لمثل هذه الأنشطة.
ومن جهته، بين الناطق الإعلامي في وزارة التربية والتعليم، وليد الجلاد، أن هذه السلوكيات كلها مرفوضة، ولن يقبل بتكرارها في المدارس على الإطلاق، مبيناً أن الوزارة ترفض العنف بكل أشكاله سواء من الطالب للمعلم أو من المعلم نفسه. وأكد الحرص على تعزيز دور المدرسة والإرشاد التربوي للقيام بواجبه تجاه معالجة السلوكيات السلبية في المدارس، من خلال خطة عمل متكاملة تعدها الوزارة مع عدد من المؤسسات المدنية حول البيئة المدرسية الآمنة، وفق الجلاد.
ويشير الى حملة التعاون مع اليونيسف لمعالجة قضايا العنف المدرسي تحت عنوان "معا نحو بيئة مدرسية آمنة"، للحد من العنف وأشكاله وأسبابه وإيجاد حلول، كما لدى الوزارة خط ساخن للحماية من الإساءة، والتعامل مع القضايا كافة التي ترد من المدارس بشكل جدي وعملي.
ويضيف الجلاد "أن الوزارة الآن لديها تعليمات الانضباط المدرسي التي من خلالها تتخذ الإجراءات كافة اللازمة تجاه الطلبة المتنمرين".
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي النفسي والتربوي، الدكتور موسى مطارنة، الى أن الشباب في هذا العمر من خصائصهم النمائية؛ المغامرة وعدم معرفة الخطورة التي تترتب على تصرفاتهم، والمبادئ التي لديهم ما تزال غير كافية لردعهم.
ويعتبر أن الأهم في ذلك، أن يكون هناك تعاون بين المدرسة والأسرة، فبدونهما لا يمكن أن يكون هناك إعداد للطالب، مبيناً أن الأهل لا يدركون أهمية التعاون مع المدرسة، فكلاهما مكمل للآخر، ولا بد أن يتفقا على طريقة وأسلوب ما، وبناء خطط لتعديل سلوك الطالب.
ويضيف مطارنة الى أن ما شاهدناه أمر في غاية الخطورة، بالإضافة الى أن الطالب دائما يبحث عن فجوة ليفرغ الطاقة لديه، فلا يملك سوى هذه الطرق والوسائل.
ويلقي اللوم على المدرسة والأهل، خصوصا أن الطالب عندما يقبل على هذه الأفعال، فهو يتصرف من وجهة نظر مختلفة ولا يدرك الأبعاد والنتائج على الإطلاق، ويجب أن يكون هناك حالة من الحوار والمتابعة بين الأهل والأسرة من خلال اجتماع الأهالي الذي يجب أن يكون جديا، ومتكررا.